خطاب الحج ـ الشيخ علي حسن

منذ عام 1985 اعتاد باب الفاتيكان الدعوة إلى إقامة يوم عالمي للشبيبة الكاثوليك ويقام في كل مرة في بلد مختلف، ويحضر البابا في تلك المناسبة ويخطب في المشاركين، وتقام في البين فعاليات وأنشطة تعارف وتبادل خبرات بين الشباب. وقد اجتمع في المؤتمر الأخير الذي أقيم في سيدني قرابة ربع مليون شاب من أنحاء العالم.
موسم الحج:
هذا الاجتماع الضخم يمثل حالة طارئة مستحدثة، فهي ليست سنوية ولا هي متجذرة تاريخياً، بينما نمتلك نحن موسم الحج السنوي والذي تمتد جذوره في أعماق التاريخ، ويجتمع فيه قرابة الثلاثة ملايين حاج، ولا أتصور أن عدد الشباب منهم يقل عن الربع مليون، وهم يحضرون الموسم دون دعوة من أحد سوى الله، ودون تحميل أية جهة تكاليف سفرهم وإقامتهم. فلماذا لا يكون عندنا خطاب في الموسم خاص بالشباب المسلم؟ فإذا شعر الشباب بالعناية الخاصة بهم، فسيكون اهتمامهم بذلك الخطاب كبيراً، مع ملاحظة أن الشباب هم الذين يعايشون أكثر من غيرهم تحديات مرحلتهم ويصارعونها أو يذوبون فيها، علاوة على أن طاقاتهم ضخمة ومن المفترض أن توظف في الاتجاه الصحيح.
ملاحظات على خطاب الموسم:
إلا أنه من المهم أن تتم صياغة ذلك الخطاب بعناية فائقة، مع مراعاة الأمور التالية:
1. الابتعاد عن الخطاب الفضفاض الذي يحتمل تفسيرات وتطبيقات عديدة قد تصل إلى حد التعارض فيما بينها.
2. الابتعاد عن أي لغة تتضمن التحريض أو الشحن المذهبي من خلال بعض العناوين الفقهية أو التفريعات العقدية التي لا يترتب على إثارتها في هذه الخطابات العامة سوى ترسيخ التمزق الذي يعيشه المسلمون اليوم.
3. تجنب أحادية صياغة الخطاب في الوقت الذي نشهد فيه التنوع المذهبي بين من يحضر الموسم واتحادهم في كل مناسك الحج، ولذا فمن المفترض أن يتنوع المخاطِبون بتنوع المخاطَبين، أو أن يشترك ممثلوهم في صياغة الخطاب الواحد كي يكون ذا أفق أرحب ومقبولية من الجميع.
4. الاهتمام بالتعبئة الإعلامية لهذا الخطاب، مع ترجمة وتوثيق الخطابات بحيث يتيسر تداولها في الموسم وخارجه، وتحويلها إلى وثيقة عمل.
5. تحاشي تكرار الموضوعات والعناوين المطروحة، مع الحرص على تقديمها بصورة جذابة.
6. الاهتمام بالتوفيق بين مضامين الخطاب وبين ما يمارس على الأرض من قبيل الوحدة بين المسلمين والتراحم والتواصل والالتزام بالنظام العام واحترام القانون وحقوق الإنسان والنظافة العامة والخاصة.
خطبة النبي:
يضاف إلى ما سبق ضرورة التطرق لأهم التحديات الفكرية والتشريعية بأسمائها، والتي تواجه الأمة ـ والشباب خصوصاً ـ في هذه المرحلة، ومحاولة تشخيص طرق العلاج والتعامل السليم معها، ومراعاة ذلك يتضح جلياً في خطبة النبي (ص) في يوم عرفة حيث قال: (..أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم.. وإن كل ربا موضوع ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون قضى الله أنه لا ربا، وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله وأن كل دم كان في الجاهلية موضوع وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.. إن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا.. أيها الناس، فإن لكم على نسائكم حقا، ولهن عليكم حقا.. واستوصوا بالنساء خيرا.. كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين إخوة..). فقد تضمن خطابه صلى الله عليه وآله وسلم قضايا كانت تمثل تحديات تلك المرحلة، وبدأ بمعالجة واقعية من خلال تقديم النماذج والشروع بعشيرته ليكون هذا الخطاب مشروعاً عملياً لا ينحصر في إطار التنظير البحت.
خطاب توعوي:
فالمطلوب إذاً توجيه خطاب وحدوي صادق وتوعوي، يحمل روح العصر، ويواجه أهم تحديات المرحلة، مع المواءمة بين مضمون الخطاب وبين ما يجري على الأرض في الموسم.. ولكم أن تتخيلوا كم سيكون تأثير مثل هذا المشروع على الساحة الإسلامية العالمية.