خطبة الشيخ علي حسن غلوم حول علاقة الدين بعلم الفلك ـ ج 1


ـ دار الحديث مؤخراً بوجود نهي عن الأخذ بالحسابات الفلكية، ولا أريد أن أثبت كفاية الأخذ بها.
1ـ تمتاز الشريعة الإسلامية باختزانها لقدرة التحرك التشريعي، إذاً: مواكبة التغيّرات بالاجتهاد.
ـ التشريح و(كسر عظم الإنسان ميتاً ككسره حياً)، أو: (إن الله حرّم المثلة ولو بالكلب العقور).
ـ إذاً من يريد البحث في إمكانية الأخذ بالحسابات الفلكية الدقيقة (ولادة الهلال و إمكانية الرؤية) لابد أن يأخذ بعين الاعتبار دراسة الموضوع ضمن المستجدات والمعطيات العلمية المعاصرة، لا التوقف عند زمن صدور النص.
نماذج:
أ ـ طور علماء الفضاء العديد من الأجهزة الدقيقة التي تستطيع رصد مختلف الأشعة الكهرومغناطيسية المرئية منها و غير المرئية لمختلف الأجرام السماوية مهما اختلف بعدها عن الأرض. و قد بلغت هذه الأجهزة درجة تمكنها من رصد أصغر الأجسام، بحيث أن لو وضعت شمعة على سطح بلوتو الذي يبعد أكثر من 5 مليار كم عن الأرض، لاستطاعت هذه الأجهزة رؤية النور الساطع منها.
ب ـ استخدم الفلكيون الاستراليون عدداً من أحدث الأجهزة الفلكية في العالم لقياس عدد النجوم التي يمكن رؤيتها بالمناظير الفلكية، ومن خلال تلك القياسات توصلوا إلى تصور جديد للكون المرئي، حيث توصلوا إلى أن عدد النجوم يبلغ 70 سكستيليون نجماً (سبعة وإلى يمينها 22 صفراً)!! وهذا الرقم أكبر من عدد حبات الرمال الموجودة في كل الشواطىء والصحاري في الأرض.
جـ ـ في عام 2004 تم اكتشاف مجرة جديدة، تعد أبعد جسم معروف عن كوكب الأرض، وتم تصويرها وبث صورها عبر وسائل الإعلام، وهي تبعد حوالي 13 مليار سنة ضوئية عن كوكب الأرض (السنة الضوئية = 300 ألف ×60×60×24×365 = تسعة ترينيونات وأربع مئة وستين بليوناً وثماني مئة مليون كيلومتر)، واستخدم العلماء معدات خاصة لرصد المجرة، تمثلت في تلسكوبين عملاقين: الأول في الفضاء، والثاني في هاواي.
د ـ وضع العلماء على سطح القمر عدة مرايا تمكنهم من إرسال الإشارات إلى سطح القمر و استقابلها في الأرض و يحدد من خلالها موقع القمر بدقة متناهية و كذلك بعده عن الأرض. وقد اكتشف العلماء أن القمر يبتعد بمقدار 4 سم من الأرض في كل عام.
2ـ خلط بين التنجيم Astrology وعلم الفلك Astronomy.
أ ـ في قاموس المنجد علم الفلك: (علمٌ يبحث في الأجرام السماوية من حيث تكوينهما ومواقعها وقوانين سيرها). أمّا التنجيم: (علم يبحث في تأثير حركات النجوم على مجرى الأحداث، ويستخلص منها تنبؤات مستقبلية ذات تأثير مزعوم على حياة الناس وطباعهم).
ب ـ ولأن علم الفلك القديم، في العصر الإسلامي الأول كان مشوباً ومختلطاً بالتنجيم وبأفعال المنجمين الذين يدّعون معرفة الغيب وقدرة التأثير على الناس فقد ورد النهي عنه بأشد العبارات حتى روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من صدّق كاهناً أو منجّماً فقد كفر بما أُنزِل على محمد). أو قول الإمام الصادق عليه السلام: (إنكم تنظرون في شيء كثيره لا يُدرك وقليله لا ينفع).
جـ قال المرجع الديني الشيخ جعفر السبحاني في كتابه الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء: (إن علم النجوم في مصطلح القدماء هو العلم بآثار حلول الكواكب في البروج والدرجات... وأما علم النجوم في مصطلح اليوم فهو عبارة عن حساب حركة الشمس والإخبار عن أوائل الشهور الرومية والفارسية ورصد حركات القمر وما شابه ذلك، فأين هذا المعنى من علم النجوم بالنسبة إلى المعنى السابق؟... وهو علم ذو قواعد رصينة مبنية على حسابات رياضية قلّما تخطىء، ولذلك نأخذ بها في تعيين وقت الخسوف والكسوف ودخول الأوقات ومحاذاة القبلة والعرض الجغرافي للبلد وطوله).
3ـ لا يمكن أن يقع التعارض بين العلم اليقيني وبين الوحي، لأن منزل الوحي هو الحكيم الذي خلق الكون و دبّر الأمور ووضع في مخلوقاته القوانين التي تدير وجودها، ثم دعا الناس للتدبر فيها والاستفادة منه (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) آل عمران:190 (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يونس:5.
4ـ من الغريب أن القائلين بالنهي يعتمدون عليها في تحديد مواقيت الصلاة بدقة، والخسوف والكسوف، وتحديد وقت ولادة الأهلة، ولقرون قادمة!! ثم ينكرون حجية قول الفلكي مطلقاً تمسكا بالنهي في الأحاديث الشريفة!!
5ـ ويعتمدون على الفتوى: (في شهادة العدلين بالهلال لابد أن تكون شهادتهما غير معارَضة حُكماً بشهادة أخرى، وإلا فلا يؤخذ بها، فإذا أخبر الفلكيون بعدم كون الهلال قابلاً للرؤية بالعين المجردة و حصل الوثوق بصحة ما يقولون، فهذا يعني الوثوق بوقوع العدلين بالخطأ والاشتباه، فتترك شهادتهما لذلك) كتاب الفوائد الفقهية للمرجع الديني السيد علي السيستاني.
ـ من السخف رفض معطيات العلوم إن وصلت إلى الاطمئنان، لأن الاطمئنان في ذاته حجة، وتحفيز للسخرية
ـالعالم الإسلامي مقبل على الأخذ بها... فالدين في ركب العلم... والعلم في خدمة الدين.