الأسرة المثالية - محمد مهدي الصفار

يعتبر مفهوم الأسرة المثالية من أهم ما يبحث عنه الفرد الذي يأمل في تكوين خلية اجتماعية ناجعة، ينتج عنها نمو الخلال الطيبة، ونشأة الخصال الكريمة، وتتفشى فيها المودة وتنتشر بين أفرادها الرحمة، وتتأصل فيها أواصر اللحمة والتماسك. كما ان المجتمع بدوره يتوق لمثل هذه الأسرة المثالية، حيث انه يرجو ان يستفيد من خير هذه الأسرة في تدعيم قوام المجتمع، كما ستعم فائدتها في الحصول على أفراد منتجين وذوي تطلعات اجتماعية في المحافظة على المكتسبات الثقافية من جهة، وتنمية روافد الأوجه الحضارية لقيادة المستقبل من جهة أخرى.
وفي مفهوم الأسرة المثالية، لابد من الوقوف الى معاني الاصطلاحين المستخدمين: «الأسرة» و«المثالية». الأسرة في اللغة هي الدرع الحصينة، ومما اشتق من أصلها أيضاً، أسر، يأسر، وأسير.ولأن الدرع الحصينة تتطلب حماية اطارها من التحديات الناشئة سواء من داخل الأسرة أو خارجها، كان لزاماً الوقوف على معرفة عوامل الحماية.وفي استخدام لفظة الأسر، فان الأسير من شد وثاقه.وكون الآسر هو من يشد الوثاق، يمكننا استخلاص ان الدرع الحصينة تعتمد على انشداد جميع أفرادها الى نقطة المنتصف وفي وجودهم في هذه النقطة تعظيم للحصانة.
أما لماذا تكون النقطة في المنتصف؟ فلان ميلانهم الى جانب دون آخر، سيعرض أفرادها لعدم الاعتدال، وضعفهم في الجوانب الأخرى.اذا نحن نبحث عن نقطة الاعتدال، وهي التي لا يكون فيها افراطاً ولا تفريطا، أي أننا بصدد الفضائل.وبما ان أعلى الفضائل مرتبة هو العدل، فعليه يمكننا القول ان العدل هو أهم فضيلة تشد وثاق العائلة وتحصنهم من المتغيرات والتحديات.
أما كلمة مثالية، فقد بحثت عنها في المعاجم العربية فلم أجد لها معنى.وانما هي كلمة مترجمة من (Ideal) أو المثل العليا، أي بعبارة أخرى هي القيم الراسخة التي يستند عليها المرء في سلوكياته اليومية.وكوننا ندين بدين الاسلام، ونعبدالرحمن، ونتبع أحكام القرآن، ونسير على سنة سيد الأنام، وهدى آله الكرام، فان القيم التي نبحث عنها ما هي الا القيم الايمانية.
وعلى هذا فان مفهوم الأسرة المثالية كما نفهمه، هو في الحقيقة الأسرة المؤمنة أو الايمانية. وأما ما هو شائع عن كلمة مثالية والتي ترادفها كلمة الأنموذج. فان من متطلبات الحالة النموذجية هو وجود معطيات نموذجية، وهذه المعطيات غير موجودة، وعدم وجودها لا يسقط المسؤولية عن العمل بما هو موجود للوصول الى أفضل حالة ممكنة، منطلقين من شغف الوصول الى القيم الاسلامية، ومتداركين للواقعية الشائكة. وهذه الحالة التوافقية هي «الأمثل» في ظل مقتضيات القيم والواقع.
ولأن ظروف الحياة في حركة دؤوبة ومستمرة، وتارة تكون الرياح فيها مواتية وأخرى تكون معاكسة، يتطلب التقدم والرقي عدم الاتكاء على عصا العادة، وانما في التوكل على الله عز اسمه، وحس عال للمسؤولية ويقظة لاغتنام الفرص.فمتى ما أراد الانسان تغير النتائج كان عليه تغيير نفسه بمقتضى المبدأ الالهي {ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} صدق الله العلي العظيم.