الإمام الرضا وشيخ الأزهر ـ للشيخ علي حسن

(قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران: ٢٦، هذه الآية الكريمة تقرر أن كل الأشياء ترجع إلى الله، لأنه الذي خلق السبب وربط بينه وبين المسبب، كما ترك للإنسان الفرصة المباشرة بإيجاد السبب، فكان الإنسان باختياره وإرادته هو الذي يصنع مصيره ويختار طريقه، طريق العزة أو طريق الذل، فالله يعزّ من يعزّ نفسه بطاعته، ويذل من يذل نفسه بمعصيته، ومن هنا نفهم مضمون الحديث: (من أراد عزاً بلا عشيرة وغنى بلا مال وهيبة بلا سلطان، فلينتقل من ذل معصية الله إلى عز طاعته).
قبران متجاوران ولكن!
قبران متجاوران بأرض طوس، الأول لحاكم أعظم وأكبر دولة في العالم في عصره، وهو هارون العباسي، والآخر لإمام جُلب بمفرده وبالإكراه إلى أرض خراسان بلا عشيرة تحميه ولا مُلك يؤمّن له القوة والأنصار، وهو الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق عليهم السلام.
المأمون الذي أمر بجلب الإمام رغماً عنه إلى أرض خراسان ليتخذه ـ صورياً ـ ولياً للعهد إلى حين تهدئة ثورات العلويين وسائر المناوئين للخلافة العباسية، عندما قرر التخلص من الإمام الرضا بمدينة طوس وأمر بدس السم في طعامه فتوفي الإمام على أثر ذلك، أراد أن يظهر تقديره للإمام وأن يرفع من قيمته عند الناس ويعزّه، فأمر بدفنه عند مرقد أبيه هارون في دار الوالي حميد بن قحطبة.
ولكن المفارقة في الأمر أن الناس نسوا قبر هارون، وبقي المرقد الطاهر للإمام الرضا عليه السلام خالداً ذائع الصيت، يفد عليه ما يقارب الـ 25 مليوناً كل عام لزيارته، بل صار قبلة أسفار الملوك والحكام أنفسهم.
غربة ثم عزة:
في السنتين اللتين جاور بهما الإمام الرضا أرض خراسان كان بعيداً عن أهله وأنصاره، ولما استشهد بها كان غريباً وبلا عشيرة.. وحتى الأحاديث التي تداولها أنصاره كانت تؤكد على هذه النقطة، كالمروي عن الإمام علي عليه السلام: (سيُقتل رجل من ولدي بأرض خراسان اسمه اسمي واسم أبيه اسم ابن عمران موسى عليه السلام، ألا فمن زاره في غربته غفر الله ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر). وقد عُرف بين أنصاره بعنوان (غريب الغرباء)، إلا أن ذلك كله تبدل بعزة الله، وهناك اليوم 30 ألف شخص يعملون على خدمة الحرم الرضوي بينهم كبار الشخصيات السياسية والعسكرية والتجار وغيرهم.
ملك عظيم:
كل ذلك الملك الذي كان بيد الخليفة هارون الذي كان يقول للغمامة (أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك) زال وزال سلطان بني العباس، بينما تجد اليوم موقوفات باسم الحرم الرضوي تشمل قرى بأكملها وقنوات مائية ومبان ومؤسسات ثقافية واجتماعية وتعليمية وصحية ومصانع وأراض زراعية وسكنية تبلغ عشرات الآلاف من الهكتارات في إيران وأفغانستان وآسيا الوسطى ومنطقة القوقاز وأذربيجان والهند والباكستان تجمعت عبر مئات السنين، فضلاً عن الموقوفات المنقولة وما فيها من النفائس الأثرية، حتى دُوّنت عدة مصنفات خاصة بحصر وبيان موقوفات الحرم الرضوي. وكلها تصب في أعمال الخير والبر والإحسان، وتدعم اقتصاد تلك المدينة العريقة.. مشهد الرضا.
زيارة الوفد الكويتي:
ومن هنا تتجلى قيمة الزيارة الأخيرة للوفد الإعلامي الكويتي الذي انبهر بما شاهده خلال يومين فقط لم يتسنّ له خلالهما الاطلاع إلا على شئ يسير من بركات وجود مرقد هذا الإمام على تلك الأرض، وهذا ما ظهر جلياً في ردود فعل أعضاء الوفد وما صدر عنهم من تعليقات بمختلف تنوعهم المذهبي، فمثل هذه الزيارات بإمكانها أن تزيل الكثير من الصور السلبية وتعزز التواصل الحضاري بين الشعوب.
تحية لشيخ الأزهر:
وهذا ما أكده شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب حين ذكر قبل أيام أنه سيزور النجف إذا ذهب إلى العراق، رافضاً في الوقت نفسه تكفير الشيعة، مشدداً على وحدة المسلمين شيعة وسنة، وأن الدين الإسلامي واحد، وأضاف قائلاً: (نحن نصلي وراء الشيعة) معتبراً أن الاختلاف مقصد من مقاصد الخلق يقرره القرآن الكريم، مضيفاً: (لم نعد عرباً بثقافة عربية، ولا مسلمين بثقافة إسلامية، لذلك تتخطفنا بعض الأفكار التافهة وتلبس معظمها عمامة الإسلام عن جهل وغرض وهذا معناه أن الساحة لا يوجد فيها تأصيل على الإطلاق). ورفض الطيب رفضاً قاطعاً خروج بعض الفضائيات بفتوى تحكم بكفر الشيعة، مؤكداً أن ذلك شيء مرفوض وغير مقبول ولا نجد له مبرراً لا من كتاب ولا سنة ولا إسلام، وأضاف: نحن نصلي وراء الشيعة فلا يوجد عند الشيعة قرآن آخر كما تطلق الشائعات وإلا ما ترك المستشرقون هذا الأمر، فهذا بالنسبة لهم صيد ثمين، وأوضح أن له بحثاً في هذا المجال، وأن جميع مفسري أهل السنة من الطبري وحتى الآن لم يقل أحد منهم إن الشيعة لديهم قرآن آخر، مؤكداً عدم وجود أي خلاف بين السني والشيعي في الإسلام، وأن ما يحدث هو عملية استغلال سياسي لهذه الخلافات.
وبدوري أقول: صحيح أن الشيعة لا ينتظرون من أحد أن يشهد لهم بالإسلام، إلا أن لكلام شيخ الأزهر تأثيره الإيجابي البالغ في الساحة الإسلامية، الأمر الذي يفوّت الفرصة أمام دعاة التكفير والاحتقان المذهبي وإثارة الفتن الطائفية، ويلتقي بالتالي مع المواقف الإسلامية الشيعية الصادرة عن العلماء وكبار الشخصيات والداعية إلى نبذ أسباب الفتنة وتوظيفها إيجابياً نحو تحقيق المزيد من التقارب على يد عقلاء الأمة بأجمعها. تحية تقدير واحترام لشيخ الأزهر الذي يذكرنا بأسلافه الذين دأبوا على السير في طريق التقريب والتوحيد بين المسلمين، ولم تؤثر فيهم كل أصوات النشاز التي تنطلق من هنا وهناك.