خطبة الجمعة 6 شعبان 1445- الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: حاشاك يا إلهي


- الدعاء الرابع عشر من أدعية الصحيفة السجادية بعنوان (دعاؤه في الظُّلامات)، وأتمنّى أن يصل نصُّ هذا الدعاء إلى إخواننا في غزة الصامدة، ويفهموا معانيه، وأن يدعو به، فهم أحوج الناس إليه في الظروف العصيبة التي يمرّون بها.
- عندما يقع الظلم والعدوان على أحد بشكل قاس، أو يكون مستهدفاً بشكل مطّرد ومؤذي بما لا يسمح بالعفو والتغافل والتجاوز عن الأمر، ولا يملك الإنسانُ قوةً يدفع بها هذا الظلم والعدوان، فإنه يبدأ بالبحث عن مصدر قوةٍ يستعين بها في ردّ، أو تخفيف هذا العدوان. هنا، لربما يفكّر البعض -ابتداءً- باللجوء إلى شخص أو جهة تملك مثل هذه القوة. هذه الجهة قد تكون أسرتُه، أو قبيلتُه، أو مَن يشتركون معه في القومية، أو مَن يملك مصلحةً في الوقوف ضدّ ذلك الظالم، كأن تكون جهة منافسة له في عالم السياسة، أو المال، أو النفوذ، أو غير ذلك.. وأما الله تعالى، فهو آخر من قد يطرأ على ذهن هذا المعتدَى عليه.
- في هذا الدعاء، يوجّه الإمام زين العابدين (ع) الأنظار إلى أن الله تعالى هو العليم بكل شيء، والقادر على كل شيء، وهو العزيزُ الذي لا يُغلَب، فكيف ينصرف الإنسان عن الله سبحانه في مثل هذا الظرف، ويجعل كلَّ آماله في إنسانٍ مثلِه؟
- وأنبّه هنا إلى أننا لا نتحدث عن المواقف التي يمكن فيها العفو والتسامح، بل في مثل العدوان الصهيوني القائم على الأبرياء من أهل غزة على سبيل المثال، وعليه فقِس.
- في مقطع من هذا الدعاء يقول (ع): (اللَّهُمَّ لَا أَشْكُو إِلَى أَحَدٍ سِوَاكَ، ولَا أَسْتَعِينُ بِحَاكِمٍ غَيْرِكَ، حَاشَاكَ) تستعمل [حاشا] للتنزيه، أي أنزّهُك يا إلهي من أن أتجاهلك فألجأ إلى مخلوق لا قوة له إلا بك، فإن فعلتُ ذلك، فإنني أكون قد رفعتُ مقام المخلوق على الخالق، وجعلتُ له من الإحاطة والقوة ما يتفوّقُ به عليك يا إلهي.. وأنا أنزّهك عن ذلك.
- (فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وصِلْ دُعَائِي بِالْإِجَابَةِ، واقْرِنْ شِكَايَتِي بِالتَّغْيِيرِ. اللَّهُمَّ لَا تَفْتِنِّي بِالْقُنُوطِ مِنْ إِنْصَافِكَ) وذلك عندما تتأخر الإجابة مثلاً، فتتوالى الوساوس على قلبي وعقلي وتُضعفُ إيماني وتؤيسُني من رحمتك (ولَا تَفْتِنْهُ بِالْأَمْنِ مِنْ إِنْكَارِكَ) بحيث يشعر أن لا قدرة لك عليه، وله أن يفعل ما يشاء (فَيُصِرَّ عَلَى ظُلْمِي، ويُحَاضِرَنِي بِحَقِّي. وعَرِّفْهُ عَمَّا قَلِيلٍ مَا أَوْعَدْتَ الظَّالِمِينَ، وعَرِّفْنِي مَا وَعَدْتَ مِنْ إِجَابَةِ الْمُضْطَرِّينَ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، ووَفِّقْنِي لِقَبُولِ مَا قَضَيْتَ لِي وعَلَيَّ، ورَضِّنِي بِمَا أَخَذْتَ لِي ومِنِّي) فأكون المسلِّم لقضائك وقدَرك لأنك الأعلم بما هو خير لي.
- وإن كان قضاؤك -يا رب- أن يكون قصاصي من هذا المعتدي في الآخرة، وليس في هذه الدنيا، لحكمةٍ، أو لما هو خيرٌ لي، فأسبِغ على قلبي الرضا بذلك: (اللَّهُمَّ وإِنْ كَانَتِ الْخِيَرَةُ لِي عِنْدَكَ فِي تَأْخِيرِ الْأَخْذِ لِي، وتَرْكِ الِانْتِقَامِ مِمَّنْ ظَلَمَنِي إِلَى يَوْمِ الْفَصْلِ، ومَجْمَعِ الْخَصْمِ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وأَيِّدْنِي مِنْكَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ، وصَبْرٍ دَائِمٍ، وأَعِذْنِي مِنْ سُوءِ الرَّغْبَةِ، وهَلَعِ أَهْلِ الْحِرْصِ، وصَوِّرْ فِي قَلْبِي مِثَالَ مَا ادَّخَرْتَ لِي مِنْ ثَوَابِكَ، وأَعْدَدْتَ لِخَصْمِي مِنْ جَزَائِكَ وعِقَابِكَ) يا رب عرّفني العطاء الأخروي الذي ينتظرني بالصبر والرضا، والعقاب الأخروي الذي ينتظر ظالمي وكأنني أرى ذلك كله بعيني (واجْعَلْ ذَلِكَ سَبَباً لِقَنَاعَتِي بِمَا قَضَيْتَ، وثِقَتِي بِمَا تَخَيَّرْتَ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ).