خطبة الجمعة 15 رجب 1445- الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: انهيار المجتمعات

- كانت لنا في الخطبة الأولى وقفة مع الحوار الدائر بين الإمام علي (ع) وبين مالك الأشتر حول أسباب تخلّي كثير من الناس عنه، ولاسيما القيادات وكبار الشخصيات الذين بتغيير مواقفهم تتغير مواقفُ أتباعِهم، ومَن يوالونهم مِن أبناءِ قبائلهم.
- وبيّن الإمام (ع) أن المشكلة في الناس وليست فيه، ولا في المبدأ الذي التزمه، أي تطبيق العدالة الاجتماعية، بل في طمعهم بالمال والمناصب والرغبات المادية.
- ولنستخلص من كلامه (ع) بعض الفوائد العملية:
1. من أبرزِ صفاتِ الإنسانِ المتقي، الالتزامُ بالمبادئ والقيم على المستوى العملي، لاسيما إذا مسَّ الأمرُ الذاتَ، أو أقربَ الناسِ إليه.
- من السهل أن يُكثِر الإنسان الكلامَ عن المبادئ والقيم التي يدّعي تبنّيها، ولكن لا قيمة لشيء من هذا إلا عندما يُختبَرُ فيها... فإنْ صمَد، وقاومَ المغريات، فنِعم الرجلِ هو... وإن تخلّى عن ذلك بتأويلاتٍ باردة، ومبرراتٍ واهية، فما أجدرَ له أن يُكرِمَ الناسَ بصمته!
- كم من رؤساء أحزاب، وقادة ثورات، ومرشَّحي انتخابات، ورجال دين، وسياسيين، ملأوا الدنيا بكلماتهم حول العدالة الاجتماعية، حتى إذا رأوا بريق الذهب، وأحسّوا بوثير كرسيّ المنصب، أداروا ظهورَهم لها، وانضمّوا إلى قافلة الظالمين والفاسدين.
2. الحذر مِن الأسلوب التكتيكي الذي يستنزف الإنسان مِن مبادئه تدريجياً.
- البعض، قد يجدون رُخَصاً في التنازل -مرحلياً- عن العمل بما يؤمنون به وفق بعض المصالح والعناوين الثانوية، ويَعِدُون أنفسَهم والآخرين بالعمل بها في أقرب فرصة ممكنة.
- ولكن تنازل هنا، وتنازل هناك، وتبريرات، واسترخاء، وتراخي، فإذا بالفرصة قد طارت ولم يحقِّقوا أيَّ شيء... أو تجدُهم قد تغيّرت قناعاتُهم، وما عادت تلك المبادئ تمثّل بالنسبة إليهم شيئاً، سوى على مستوى الشعارات، وإسكات الناس، وخداع النفس.
3. الثقة الكبيرة بالله تعالى في إصلاح الأمور إنْ شاء تعالى، ولو كانت المعادلة الظاهرية غير مواتية: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق:2-3].
- ولذا استشهد الإمام (ع) بآية (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249]، وبالسيرة النبوية حيث بدأ النبي وحيداً، فما لبث أن انتشر الإسلام، وساد الأرض.
- إذاً، المهم الثبات على مبدأ العدالة الاجتماعية، والباقي على الله... وليس بالضرورة أن يتحقّق ما أريد... أنا أؤدي مسئوليّتي على أتمّ وجه، وأحاول بشتى الطرق، فإن شاء الله تعالى أن تتحقّق النتيجة، فنِعْمَت، وإلا فإنّي أكون قد أدّيتُ الأمانة، وأقبلتُ على الله بما يُرضيه، ولعلّ النتيجةَ تظهر في أجيال قادمة، أو في تجارب لاحقة.
- لقد كان أمير المؤمنين علي (ع) حريصاً على تطبيق العدالة الاجتماعية بدقّة خلال السنوات التي حَكم فيها، معتبراً أنّ أيَّ تنازلٍ منه عن ذلك سيتنافى مع مبادئه، ويُحمّلُه وِزراً عظيماً في الآخرة ولو كان تنازلُه مؤقّتاً وتكتيكياً، لأنّ العدالةَ الاجتماعيةَ عنوانٌ مِن عناوين بعثة الرسل: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد:25]، والإخلالُ فيه يفتح البابَ على مصراعيه لكثيرٍ من صور الفساد التي تنخُر في كيانِ أيِّ بَلد، ويُهيّئُ الأجواءَ لخلقِ الصراعاتِ في المجتمعِ وانهيارِه، ويتنافى مع أساسٍ من أُسسِ السياسةِ في المنظورِ الإسلامي. وقد حرصَ آباءُ الدستورِ في الكويتِ على تأكيدِ هذا المبدأ الذي لا مُساومةَ عليه، وذلك في المادةِ السابعةِ منه والتي نَصَّت على أنّ: (العدل والحرية والمساواة دِعاماتُ المجتمع، والتعاونُ والتراحمُ صلةٌ وُثقى بين المواطنين). وحيث لم تدّع أيةُ حكومةٍ سابقةٍ العصمةَ ولا الكمال، لذا نتطلّعُ من الحكومة الجديدة العنايةَ برفعِ مَواطنِ الخَللِ والقُصورِ في تطبيقِ العدالةِ الاجتماعيةِ حيثما كانت، سواءً في تطبيقِ القانونِ على الجميعِ مِن دونِ أيٍّ تمييزٍ على أساس الانتماءِ الأسريِّ أو القَبَلي أو المذهبي أو المواطنة، أو في تكافؤ الفرص للمناصب القيادية، أو غيرِ ذلك مِن الموارد المخلّةِ بالعدالةِ التي اعتبرها الدستورُ الكويتيُّ أولى دِعاماتِ المجتمعِ وأُسسِ استقراره.
ولابد هنا من وَقفةِ تقديرٍ للأجهزةِ الأمنيةِ في البلاد حيث أجهضَت مؤامرةً خبيثةً للاعتداءِ على المساجدِ والحسينياتِ بيدِ شِرذِمَةٍ تكفيرية، تماهياً مع المشروع الصهيوني القائم حالياً على زرعِ الفتنةِ بين المسلمين، وتنفيساً عن الغضب الصهيوني من المواقفِ المشهودةِ لأهلِ الكويتِ -شيعةً وسنّة- في دعم القضية الفلسطينة، وسنبقى نرفعُ أيديَنا بالدعاءِ لأبطالِ المقاومةِ وأهلِ غزةَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وحَصِّنْ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ بِعِزَّتِكَ، وأَيِّدْ حُمَاتَهَا بِقُوَّتِكَ، واحْرُسْ حَوْزَتَهُمْ، وامْنَعْ حَوْمَتَهُمْ، وأَلِّفْ جَمْعَهُمْ، واعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ، وأَعِنْهُمْ بِالصَّبْرِ، والْطُفْ لَهُمْ فِي الْمَكْرِ. اللَّهُمَّ افْلُلْ بِذَلِكَ عَدُوَّهُمْ، وفَرِّقْ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ أَسْلِحَتِهِمْ، واخْلَعْ وَثَائِقَ أَفْئِدَتِهِمْ، إنك سميع مجيب).