تلاوة وتفسير سورة الأحقاف 7 - 12 .. هل كان الرسول (ص) يعلم الغيب؟

وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ 7
- تحدث القرآن الكريم في مرات عديدة عن اتهام النبي (ص) وما جاء به من كتاب الله تعالى بأنه سحر، وهنا تكرار لهذا المطلب.
- كأن الآية تشير إلى أن هذا الاتهام يأتي منهم فوراً بمجرد استماع الآيات دون تدبر، وذلك هروباً من تأثيرها، وتخويفاً للناس من الاستماع إليها والتفكّر فيها، وهذا دليل على قوة تأثير الآيات عليهم، ولذا اعتبروها سحراً مبيناً.
- تذكر هذه الآية أن آيات القرآن (حق) و(بينات)، ولذا لا مسوّغ لرميها بأنها (سحر مبين) وهم يعلمون أنها حق مبين.

أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ 8
- أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ: بل يقولون افترى القرآن على الله في دعواه أنه كلامه تعالى، وهو من وضعه وتأليفه... أي ليس هو بكتاب سماوي.
- قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً: أي إن افتريت القرآن لأجلكم، فإن الله سيعاقبني على ذلك ويعذبني، وأنتم لن تستطيعوا دفع ذلك عني، فلماذا أقوم بذلك؟
- هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ: الله سبحانه أعلم بالذي تخوضون فيه من التكذيب برمي القرآن بالسحر والافتراء عليه تعالى، ولذا فأنا لا أتحمّل مسئولية افتراءاتكم، بل أنتم ستتحملونها وستعاقبون عليها، ولست أنا الملام هنا، بل أنتم، فلا تتهموني بالافتراء عليه، وتخوفونني بعاقبة الأمر، بل خوّفوا أنفسكم من ذلك.
- كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ: ولست بحاجة إلى أحد ليشهد لي بصدق كلامي عند الله تعالى، وبأنكم افتريتم عليّ بتكذيبي واتهامي بالسحر والافتراء.
- وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ: إن الكلام عن العقوبة الإلهية لا تعني أنه الإله القاسي الذي يريد عقاب خلقه، بل هو كثير المغفرة، وكثير الرحمة، وكل ما على الإنسان أن يراجع نفسه ويدع ما يترتب عليه العقوبة، ويُقبل على الله، ويكون كما يحب تعالى، والله يغفر له ويرحم ضعفه.

قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ 9
- قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ: لماذا تستغربون أني رسول الله إليكم، وأني جئتكم بكتاب من عنده؟ أنا لست بحالة فريدة جديدة، بل إنني مسبوق بالمثل، فالرسل الذين سبقوني:
1. بشر، نزل عليهم الوحي، فيتبعونه، وهكذا أنا.
2. أنزل الله عليهم كتباً سماوية، وهكذا أنا.
3. لم يكونوا يعلمون الغيب إلا بمقدار ما يعلّمهم الله، وهكذا أنا، ولذا بعد أن قص عليه قصة نوح قال: (تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) [هود: 49].... وهكذا بعد أن قص عليه قصة السيدة مريم وزكريا: (ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) [آل عمران:44].
4. لا يملكون الإتيان بالآيات (المعاجز) إلا من عند الله وبإذنه، فمسئوليتهم الأساسية الإنذار وتبليغ الرسالة، وليس من وظائفهم الإتيان بالآيات التي لا تأتي إلا لغايات محددة، وهكذا أنا.
- قال تعالى في بيان أن الآيات (المعاجز) من عند الله وليست من عند الرسل: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ ۖ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ) [العنكبوت:50].
- وقال تعالى في بيان أن الآيات (المعاجز) تكون بإذنه: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ) [غافر:78].
- وقال في بيان أن المسئولية الرئيسة للرسل هي تبليغ الرسالة: (وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا) [الإسراء: 90-93].
- النتيجة: أنا بشر، نزل عليّ الوحي، وأنزل الله علي الكتاب، ولا أعلم الغيب تلقائياً، بل بمقدار ما يعلمني الله منه، ولا أملك الإتيان بالآيات (المعاجز) إلا من عند الله وبإذنه، ومسئوليتي الرئيسة التبليغ والإنذار.