خطبة الجمعة 1 رجب 1445- الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: في رحاب شهر رجب

- يهلّ علينا خلال هذا الأسبوع شهر رجب، وهو شهر مبارك يمتاز بأكثر من فضيلة تجعله يمتاز على كثير من شهور السنة القمرية.
- أولى هذه الميزات كونه من الأشهر الحُرم التي شرّعها الله تعالى رحمة بعباده إذ قال: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) [التوبة:36].
- جاء الخليل إبراهيم (ع) للناس بهذا التشريع بأمرٍ من الله تعالى، مراعاة للعمرة الرجبية التي كان يأتون بها منذ ذلك العهد فما بعد، واحتاجوا فيه إلى الأمن في الحلِّ والترحالِ، بل ومراعاة لاحتياج الناس عموماً لفترات من السلام تُبعد عنهم شبح الحروب، والغزو، والسلب، والنهب، والسبي، وما إلى ذلك.
- وقد استمرّ الجاهليّون في حفظ عنوان حُرمة هذا الشهر، عملياً أو نظرياً، خاصة وقد أدركوا عملياً الفائدة المترتّبة عليه... نعم جاءت فترات عمدوا فيها إلى النسيء الذي يمثّل التفافاً على هذا التشريع بترحيل الشهر الحرام متى ما تضارب ذلك مع مصالحهم، إلا أن أصل فكرة الشهر الحرام محفوظة.
- من جهة أخرى، القرآن الكريم يؤكّد على أن المؤمنين برسالة محمد (ص) هم أولى الناس برعاية ذلك والعمل به.. لماذا؟ لأنهم الأولى بإبراهيم. يقول تعالى: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران:68].
- وكون هذا الشهر من الأشهر الحرم، فهذا يعني أنه من الأشهر التي يفترض في الإنسان المسلم أن يعيش فيها السلام، أي أنه شهر يضبط فيه الإنسان إيقاع قوته الغضبية لتتناسب مع عنوان السلام، وليوظِّف بالتالي نتائج هذا التمرين الميداني العملي في سائر أيام حياته.
- الميزة الأخرى اشتماله على العديد من المناسبات الإسلامية، ومنها ذكرى مواليد الأئمة الأطهار، أمير المؤمنين علي، ومحمد الباقر، ومحمد الجواد، وعلي الهادي، عليهم السلام أجمعين، علاوة على استشهاد الإمامين الكاظم والهادي (ع). كما نلتقي فيه بذكرى المبعث الشريف في السابع والعشرين منه، وغيرها من المناسبات.
- الميزة الثالثة أن شهر رجب يعتبر بداية لموسم عبادي هام، مروراً بشهر شعبان، إلى نهاية شهر رمضان، وهي شهور يُفيض الله عزوجل فيها على عباده الرحمة، والمغفرة، والبركة.
- ويُفترض بالإنسان أن يكون شَكوراً لهذه النعمة، بتقديرها واغتنامها، عبادة، ورجوعاً إلى الله، وأن ينطلق من خلالها للاستعداد لاستقبال شهر رمضان دون أن يُفاجأ بهذا الشهر المبارك روحياً وجسدياً، بل يكون في حالة تكاملية خلالها.
- وقد روي أن رسول الله (ص) قال: (رجب شهر الاستغفار لأمتي، فأكثروا فيه من الاستغفار، فإنه غفور رحيم).
- فلننطلق في هذا الشهر في علاقتنا مع الله تعالى بما يحمله من عنوان الرحمة والتوبة، ولننطلق في هذا الشهر في علاقتنا مع الناس بما يحمله من عنوان السلام، وليكون شهر التعاون على البر والتقوى، وأن نستزيد فيه من الرحمة، وعمل الخير، والعفو، والتسامح، بعيداً عن كل حقد وبغض ونية سوء.