خطبة الجمعة 16 جمادى الآخرة 1445- الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: اتّقِ شرّ مَن أحسنتَ إليه

- في كثير من الأحايين، يصاب الإنسان بصدمة عندما يُقدِّم خدمة لأحدٍ ما، ثم لا يجد من الطرف الآخر تقديراً لذلك وشكراً. وتختلف مستويات هذه الصدمة بحسب طبيعة الخدمة، وعلاقة المُحسِن بالمُحسَن إليه، وغير ذلك من الخصوصيات.
- وتراكم هذه الصّدمات بتكرّرها قد تؤدّي إلى ردّة فعل سلبية تجاه الإحسان إلى الآخرين، وتجعل الإنسان يتردّد ألف مرّة قبل أن يُقدّم لأحدٍ خدمة مجّانية من جديد.
- والأسوأ مِن ذلك أن يواجَه إحسانُه بالإساءة، فصدمة ذلك أكبر بكثير.
- وهناك مثال على ذلك في القرآن يخصّ موقف الكفار والمنافقين بعد فتح مكة، فقد عمل النبي (ص) على هدايتهم وتشجيعهم على الدخول في الإسلام، فأعطاهم -في حنين أو غيرها من المعارك- من خُمس المغنم بالإضافة إلى حصتهم من الغنيمة، وبدلاً من أن يشكروا الله على نعمه، ويشكروا النبي (ص) على تفضّله، صدرت عنهم مواقف سلبية عديدة، قال تعالى: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ...) [التوبة:74].
- وهنا يستشهد البعض بالمثل المعروف: (اتّقِ شرَّ مَن أحسنتَ إليه)... بما يُمثّل خلاصة الموقف بالنسبة إلى كثير من الناس، وهو ما يزهّدهم بعمل الخير مستقبلاً.
- ولكن علياً (ع) يخالف هذا المثل، ويوجّهنا إلى حقيقةٍ قد تغيب عنا في مثل هذه الحالات... فقد جاء في الحكمة 204 من نهج البلاغة: (لَا يُزَهِّدَنَّكَ فِي الْمَعْرُوفِ مَنْ لَا يَشْكُرُهُ لَكَ، فَقَدْ يَشْكُرُكَ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَسْتَمْتِعُ بِشَيْ‏ءٍ مِنْهُ، وَقَدْ تُدْرِكُ مِنْ شُكْرِ الشَّاكِرِ أَكْثَرَ مِمَّا أَضَاعَ الْكَافِرُ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
- وكأنه يقول: هل نسيتم الله تعالى عند الإحسان إلى الآخرين؟ أليس هو العليم المحيط بكل شيء؟ أليس هو الذي لا يُضيعُ عمل عامل؟ فالله هو الغني عن الخدمة التي قدّمتَها إلى الآخرين فلم يشكروك، ولكنه تعالى قد يشكرك على فعلك هذا ويثيبك عليه (إضافة كلمة قد: لئلا يحتّم على الله شيئاً، ولأن الأعمال بالنيات)، وقد يسخّر لك في الدنيا من الناس مَن يستحسن عملك، ويشكرك عليه دون أن يكون هو المستفيد منه، بل ولربما ما تناله من عند الله أو ممّن سخّره الله لك يكون أكثر من مقدار عطائك (وَقَدْ تُدْرِكُ مِنْ شُكْرِ الشَّاكِرِ أَكْثَرَ مِمَّا أَضَاعَ الْكَافِرُ) لماذا كل هذا؟ يقول (ع): (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
- اللهم لا تحرمنا من الإحسان وإن أسيء إلينا، اللهم اجعلنا من الشاكرين وإن خُذلنا، اللهم إنك تحب المحسنين، فاجعلنا من المحسنين، وتحب الشاكرين، فارزقنا شكرَ نعمِك أبداً دائماً يا رب العالمين.