تفسير سورة الدخان 9-16 ما هو الدخان المذكور في السورة؟ ومتى وقع؟

- المسألة الأخرى التي تستوقفنا من خلالها الآيات مسألة الدخان: هل هذا العذاب الذي يُهدَّد به، هو من الأمور التي وقعت فعلاً على عهد رسول االله (ص)؟ وإذا كان الجواب مثبتاً، فمتى وقع؟ أم أنها من علائم آخر الزمان وقرب قيام الساعة؟
- انقسم المفسرون في ذلك: ذكر العلامة الطباطبائي عدة آراء:
1. المراد به المجاعة التي ابتُلي بها أهل مكة كما في بعض الأخبار، فإنهم لما أصرّوا على كفرهم وأذاهم للنبي (ص) والمؤمنين به، دعا عليهم النبي فقال: اللهم سنين كسني يوسف، فأجدبت الأرض وأصابت قريشاً مجاعة شديدة، وكان الرجل لِمَا به مِن الجوع يرى بينه وبين السماء كالدخان. وأكلوا الميتة والعظام ثم جاءوا إلى النبي [ص] وقالوا: يا محمد، جئتَ تأمر بصلة الرحم وقومُك قد هلكوا! ووعدوه إن كشف الله عنهم الجدب أن يؤمنوا، فدعا وسأل الله لهم بالخصب والسعة، فكُشف عنهم ثم عادوا إلى كفرهم ونقضوا عهدهم. وهذا شبيه بما حصل على عهد موسى حيث أخذوا بالسنين ونقص الثمرات. وقد أعقبت هذه الآيات قصة موسى وفرعون.
2. إن الدخان المذكور في الآية من أشراط الساعة، وهو لم يأت بعد، وهو يأتي قبل قيام الساعة، فيدخل أسماع الناس، حتى أن رءوسهم تكون كالرأس الحنيذ. ويصيب المؤمن منه مثل الزكمة، وتكون الأرض كلها كبيت أُوقد فيه ليس فيه خصاص [منفَذ]، ويمكث ذلك أربعين يوماً. وهذا مضمون رواية عن علي (ع).
- بناء على هذا، فإن الدخان مرحلة سابقة لقيام الساعة، ويكون أمراً تحذيرياً، ويُرفَع عنهم الدخان، ثم سيعودون للكفر والتكذيب، فتقع القيامة بعذابها. فحال هؤلاء في مستقبل الأيام كحال قريش الذين كذّبوا النبي (ص) على الرغم من أن رسالته كانت مبينة لا لبس فيها.
3. إن المراد بيوم الدخان يوم فتح مكة، حين دخل جيش المسلمين مكة فارتفع الغبار كالدخان المظلم.
4. المراد به يوم القيامة.
- اعتبر ابن عاشور أن استثناء المؤمنين من هذا الدخان يدل على أنه وقع بعد هجرة النبي (ص) إلى المدينة، وأنها إشارة إلى الجدب والمجاعة، إما بكون العرب تسمي الغبار دخاناً، وهو ناتج عن الجدب، وإما أن يكون كهيئة الدخان في نظر الجائع نتيجة الجدب. وأن هذا حصل قبل أن يسلم المشركون الذين بمكة وما حولها في فتح مكة، وأن التواصل مع النبي كان وهو في المدينة، وأنه دعا لهم بالاستسقاء فرُفع عنهم العذاب، فلما عادوا إلى كفرهم، عذّبهم الله يوم بدر.