تفسير سورة الدخان 1-6 ماذا يجري في ليلة القدر من كل عام؟

حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)
- تبدأ السورة بالتأكيد على سماوية القرآن الكريم، وأن نزول القرآن بهدف الإنذار والرحمة من خلال إرسال النبي (ص) تم في ليلة صفتها أنها ليلة:
1. مُّبَارَكَةٍ.
2. فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ.. الحكيم من الحكمة (عظائم الأمور)، أو من الإحكام.
- العلّامة: الفَرْق، فصل الشيء من الشيء بحيث يتمايزان. ويقابله (الإحكام). فالأمر الحكيم ما لا يتميز بعض أجزائه من بعض، ولا يتعين خصوصياته وأحواله.
- فللأمور بحسب القضاء الإلهي مرحلتان: مرحلة الإحكام والإجمال، ومرحلة التفصيل.
- وليلة القدر بحسب هذه الآية هي ليلة يُخرج الله تعالى فيها الأمور من مرحلة الإحكام إلى مرحلة الفرق والتفصيل.
- نزول القرآن في هذه الليلة كان من هذا التفريق للأمور المحكمة، فالقرآن له أصل محكم، وأصل متفرِّق في صورة سور وآيات وكلمات.
س: هل تشير الآية إلى حصول تقديرات أو قضاء إلهي جديد للناس في ليلة القدر يتعلّق بالسنة القادمة؟
ج: الرأي الأول: نعم، وتدلّ على ذلك بعض الروايات. قال سليمان المروزي للرضا عليه السلام: (ألا تخبرني عن " إنا أنزلناه في ليلة القدر " في أي شئ أنزلت؟ قال: يا سليمان، ليلة القدر يقدّر الله عز وجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة، من حياة أو موت أو خير أو شر أو رزق، فما قدّره في تلك الليلة فهو من المحتوم).
الرأي الثاني: لا يوجد في القرآن الكريم ما يشير إلى حصول تقديرات أو قضاء إلهي جديد للناس في ليلة القدر يتعلّق بالسنة القادمة، بل في هذه الليلة يتم بيان ما تمّ تقريره إلهيّاً منذ الأزل بشكل مجمل، وهذا معنى كونها الليلة التي يُفرَق فيها كلّ أمر حكيم، والفرق بمعنى التمييز والفصل.
-مثال لمجرد التوضيح: تتخذ القيادة العسكرية مجموعة من القرارات بالخطوط العريضة في اجتماعها في يوم ما، وفي الغد تعلن عن هذه القرارات، ويتم تحويلها إلى حيّز التنفيذ، حيث تقوم القوات المختصّة بالانتشار لبدء عملية التنفيذ والتطبيق بشكل منتشر وموزّع.
- فليلة القدر هي ليلة التنزيل والفرق والإعلان وإصدار الأوامر بإخراج ما تمّ تقريره إجمالاً إلى حيّز الوجود تفصيلاً، فكأنّ الله تعالى وضع مجموعة من الخطط، ولكل سنة خطتها، وفي كلّ عام يُبلّغ المناط بهم المهام التنفيذية (الملائكة والروح) بالبدء بتطبيق الخطّة الخاصة بتلك السنة... وهكذا يكون.
- ففي ليلة القدر تُبرَز اللوائح، وتتحرّك جيوش الملائكة وقوانين العالم لتطبيقها.
- وفي بعض الروايات ما يدل على ذلك، والتي تقول بأنّ الملائكة يحدّثون المعصوم في ليلة القدر من كلّ عام، فيبلغونه بالقرارات الكبرى المتعلّقة بهذا العام.
- عن الحسن بن العباس، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام (أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لابن عباس: إنّ ليلةَ القدر في كلِّ سنة، وإنه يتنزَّلُ في تلك الليلة أمرُ السنة، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله [ص]. فقال ابن عباس: من هم؟ قال أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدَّثون). أي ليس من قبيل الوحي للأنبياء.