خطبة الجمعة 24 جمادى الأولى 1445- الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: العفاف أفضلُ العبادة!

- لو سئل أحدُنا: أي العبادات أفضل؟ فلربما سيبادر للقول بأن الصلاة أفضل العبادات، ولولا ذلك لما طُلب منّا -على نحو الوجوب- أن نؤدّيها كل يوم خمس مرات، ثم انتُدبنا للنوافل، ولصلاة الآيات، وهناك صلاة لكل عيد، وقد تكرّر ذكر الصلاة كسبب من أسباب الفلاح، وارتباطها بمسيرة الأنبياء (ع)، وغير ذلك.
- لاشك أن للصلاة كل هذه الأهمية، وأنها عمود الدين، ولكن دعونا نتوقف مع هذه الكلمة لعلي (ع) الذي قال: (أفضلُ العبادةِ العَفَافُ). ولنفهم المراد دعونا نتوقف عند المعنى اللغوي لكلمة (عفّ).
- في مقاييس اللغة: (عَفَّ: الْعَيْنُ وَالْفَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ: أَحَدُهُمَا الْكَفُّ عَنِ الْقَبِيحِ، وَالْآخَرُ دَالٌّ عَلَى قِلَّةِ شَيْءٍ. فَالْأَوَّلُ: الْعِفَّةُ: الْكَفُّ عَمَّا لَا يَنْبَغِي... وَالْأَصْلُ الثَّانِي: الْعُفَّةُ: بَقِيَّةُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ).
- المسألة لا تخص الوازع الديني، والثواب والعقاب، والحلال والحرام، بل حالة ترفّع وتنزيه للنفس عن هذه الأمور.
- إذا كان هذا هو المعنى اللغوي للعِفّة والعفاف، فكيف تكون أفضل العبادة؟
- القرآن يجيب على هذا التساؤل: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].
- فمهما صلّى الإنسان، إن لم يكن يكفّ نفسَه عن القبائح وعمّا لا ينبغي، عن الفحشاء والمنكر، فكيف تكون للصلاة قيمة؟
- قِيمة ُالصَّلاةِ حينما تصنعُ عفافاً، وطُهراً، على مستوى الفكر، وعلى مستوى الفعل، وعلى مستوى الأخلاق، وعلى مستوى المشاعر.
- ولذا بعد الأمر بإقامة الصلاة وبيان دورها، قال تعالى: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)، الذِّكر في العقل، وفي القلب، وعلى اللسان، بما يردع الإنسان ويعفّه بحيث يجعله يترفّع عن فعل القبائح وما لا ينبغي.
- ويؤكد النبي (ص) هذه الفكرة القرآنية حيث يقول: (مَنْ لم تنْهَهُ صلاتُهُ عن الفحشاءِ والمنكر لم يَزدد من اللهِ إلَّا بعداً)... وهكذا الأمر بالنسبة إلى سائر العبادات.
- فالصيام إن لم يصنع عفافاً فلا وزن له في ميزان الآخرة، فعن النبي (ص): (رُبَّ صائمٍ حظُّهُ من صيامِهِ الجوعُ والعطش، ورُبَّ قائمٍ حَظُّهُ من قيامِهِ السَّهر).
- والحج إن لم يصنع عفافاً فلا وزن له في ميزان الآخرة، فعن الباقر (ع): (ما يُعبأ بمن يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: ورعٌ يَحجُزه عن معاصي الله تعالى، وحِلم
يملك به غضبَه، وحُسنُ الصحابةِ لمَن صحبَه). هذا الورع يصنع عفافاً وتنزّهاً وترفّعاً عن فعل القبائح وعمّا لا ينبغي.
- وهناك قاعدة عامة قدّمها النبي (ص) كما روي عنه: (ثلاثٌ من لم يكنّ فيه لم يتم له عمل) أي إذا أراد الإنسان أن يكون لعمله قيمة، فعليه أن يراقب ويقيّم نفسه خلال هذا العمل وبعده من خلال العناوين التالية، فهي معيار قيمة العمل عند الله (ورعٌ يحجُزه عن معاصي الله، وخلُقٌ يداري به الناس، وحِلم يَردّ به جهلَ الجاهل).
- هذا لا يعني التخلي عن الصلاة والصيام وأمثالها إذا حقّق الإنسان العفاف من دونها.
- وسأتوقف في الخطبة الثانية -بإذن الله تعالى- عند رواية لعلي (ع) يُبيّن فيها بعضَ التطبيقات العمليّة لتأثير غياب العفّة في مجالات الحياة المختلفة.