تفسير سورة الزخرف 57-65 - كيف يكون المسيح (ع) علماً للساعة؟

وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)
- تعرض هذه الآيات الشريفة واحدة من نماذج العناد والاستكبار واللجاج الذي كان يمارسه مشركو قريش مع النبي (ص)، وتتمثل في الموقف من المسيح (ع).
- كما وتأتي هذه الآيات كمدخل للحديث عن موقف بني إسرائيل من رسالة المسيح (ع) والذي شابه موقف قريش من حيث العناد واللجاج والاستكبار.
- وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً: وجود (لَمَّا) إشارة إلى حديث وجدَل جرى مع المشركين.
- ومن المحتمل جداً أن هذه الآيات، والسورة ككل، قد نزلت بعد سورة مريم، فهي السورة الوحيدة التي تحدثت عن المسيح وولادته وأحواله والتأكيد على أنه مخلوق وأنه آية بولادته من غير أب، وأنه يموت ويُبعث، وأنه عبدٌ لله وليس ولداً له، وأنه أخبر الناس بأن الله ربه وأن عليهم أن يعبدوه كما يعبده هو، ومصير المعاندين: (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا، قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا، قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا) [19-21]، وفيها: (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا، وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا، ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ، مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ، وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ، فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [29-37].
- إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ
القول الأول: صَدَّ يَصِدُّ صَدّاً: اسْتَغْرَب ضَحِكاً، ويَضِجُّ... أما يَصُدُّون فبمعنى يُعْرِضون. القول الثاني: معنى الكلمتين (يصِد ويصُد) واحد.
- هل تعاملت قريش مع هذه الآيات من سوة مريم على نحو الجدية والعِبرة؟ الجواب بالنفي، فقد تمثّلت ردة فعلهم بالضحك وعدم الجدية، بما يدلّ على الإعراض.
- وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ: الاستفهام للإنكار، أي آلهتنا خير من ابن مريم.
- ففي الوقت الذي أكدت فيه آيات سورة مريم على أنه بشر وعبدٌ لله، أصرّ المشركون على الإتيان بمقولة غالبية النصارى آنذاك ممن كانوا يعتقدون بنحوٍ من ألوهية المسيح وأنه ابن الله، ولذا عقدوا مقارنة بينه وبين آلهتهم.
- وكأنهم يقولون: يا محمد، لقد جئت على ذكر ابن مريم الذي يقول النصارى أنه ابن الله، فهل هو خير أم آلهتنا التي نؤمن بأنها هي التي تدير الوجود وترزق وتعطينا الحماية من المخاطر المتنوعة وغير ذلك؟
- مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ: كأن المشركين لم يأخذوا من كل ما جاء في سورة مريم سوى ذِكر المسيح وولادته من غير أب، وتغافلوا عن سائر ما جاء في الآيات، وما فعلوا ذلك إلا للجدال والمخاصمة والعناد، لا رغبةً في البحث عن الحقيقة.
إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ (59)
- إن مقارنتكم باطلة من الأساس، فليس المسيح ابن مريم سوى عبدٍ مخلوق قد أنعم الله عليه بالنبوة والرسالة والآيات والولادة من غير أب.
- وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ:
الاحتمال الأول: جعل الله المسيح مثلاً لبني إسرائيل بكون ولادته آية، ومن خلال ما تحقق على يديه من الآيات، كإحياء الموتى، وإبراء بعض المرضى، وخلق الطير... إلخ.
الاحتمال الثاني: جعله الله مثلاً ونموذجاً لبني إسرائيل بعد انحرافهم، كي يُتَّبع من خلال سيرته وسلوكه وأخلاقه وتعاليمه.
وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)
- إشكال: وهل يمكن لبشر أن يخلق ويحيي ويشفي؟ هذا فعل الملائكة.
- الرد: ليس بالضرورة ذلك، فبمقدور الله أن يجعل منكم من يكون بصفات ملائكية من حيث الروحانية وطهارة النفس، ويكونون بدلاً عنكم، ثم يهبهم الله مثل تلك الآيات.
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (62)
س: إذاً، ما الموقف الصحيح من المسيح؟
1. الإيمان بأن عيسى بشر مخلوق، وعبد لله أنعم عليه.
2. جعله الله آية ودليلاً -من خلال ولادته من غير أب وبإحيائه الموتى- على أن الله قادر على أن يحيي الموتى عندما تحين ساعةُ الآخرة. ويحذركم من أن تشكّوا في ذلك.
3. اتباع رسول الله (ص) وتصديق ما يأتي به، فإن الحقائق التي يقدّمها، والتعاليم المنزَلة عليه، وما يقوم به من تزكية أنفسكم، وما يأتي به من الحكمة، كل ذلك يمثّل الصراط المستقيم الذي يوصل إلى رضوان الله تعالى.
4. احذروا مكائد الشيطان وتسويلاته، وسعيه لصدّكم عن التزام الصراط المستقيم، فإن مساعيه لا تقود إلا إلى الهلكة، لأنه عدوٌّ مبين لكم.