خطبة الجمعة 26 ربيع الثاني 1445- الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: تحت الضغط

- في الصحيفة السجادية دعاء للمُلِمّات، والمُلِمّة هي المصيبة الشديدة من شدائد الدُّنيا عندما تنزل بالإنسان، وكأنها تُحيط به من كل جهة، فلا يجد لنفسه مخرجاً ومهرباً منها.
- في مثل هذا الوضع الصعب يبحث الإنسان عمّا يمكن من خلاله أن يتوجّه به إلى الله سبحانه وتعالى، بكلمات أو أذكار أو أدعية لكي يستجيب الله له، ويخلصه من مصيبته.
- ولعلّ أفضل ما يدعو به الإنسان ما يكون نابعاً من أحاسيسه وكلماته الخاصة، وما يكون صادراً عن القلب، وذلك عندما يشعر أنَّ اللّه سبحانه هو وليّ حاجته، فمنه الفرج لكلّ شدّة، وبه الخلاص من كلّ سوء، وهو -لا غيره- مالك الدنيا والآخرة، وبيده مقاليد الأمور، وهو وحده محوّل الأحوال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186].
- ولكن حيث أن كثيراً من الناس قد يعجزون عن التعبير عمّا يريدون، تُسعفهم الأدعية المأثورة، لاسيما وأنها اشتملت على آداب الدعاء من تجليل الله وتعظيمه، وإعلان الخضوع والتذلل له، وغير ذلك، مع جميل البيان وحُسن الكلام.
- ومن بين هذه الأدعية المأثورة الدعاء السابع من أدعية الصحيفة السجادية بعنوان (وكان من دعائه [ع] اذا عَرَضت له مُهمّة، أو نزلَتْ مُلمّة، وعند الكرب):
- (يَا مَنْ تُحَلُّ بِهِ عُقَدُ الْمَكَارِهِ) قد تتاشبك الأمور وتتعقّد كما تتشابك سلسلة الذهب الناعمة، وتتداخل حلقاتها فيعجز الإنسان عن إرجاعها إلى وضعها الطبيعي. هكذا قد تتعقد المشكلات وتتداخل المصاعب حتى يصبح الإنسان أمامها عاجزاً حائراً، ولا مخلص له منها سوى الله سبحانه القدير على كل شيء.
- (وَيَا مَنْ يُفْثَأُ بِهِ حَدُّ الشَّدَائِدِ) فثأ الشيء أي كفّ، وسكن، وهدأ، وخف. فالله هو القادر على أن يخفف حدّة الشدائد ويسكّنها ويكفّ من آثارها وأضرارها.
- (وَيَا مَنْ يُلْتَمَسُ مِنْهُ الْمَخْرَجُ إلَى رَوْحِ الْفَرَجِ) فبالفرج تتحقق الراحة والطمأنينة النفسية.
- ثم ينتقل الإمام (ع) لبيان عظيم قدرة الله بأسلوب آخر، وهو الإقرار، وهو جزء من أدب الدعاء ليكون هذا الإقرار من العبد منطلَقاً لتقديم الطلبات والحاجات: (ذَلَّتْ لِقُدْرَتِكَ الصِّعَابُ، وَتَسَبَّبَتْ بِلُطْفِكَ الأسْبَابُ، وَجَرى بِقُدْرَتِكَ الْقَضَاءُ، وَمَضَتْ عَلَى إرَادَتِكَ الأشْياءُ) إلى أي مستوى؟ (فَهْيَ بِمَشِيَّتِكَ دُونَ قَوْلِكَ مُؤْتَمِرَةٌ، وَبِإرَادَتِكَ دُونَ نَهْيِكَ مُنْزَجِرَةٌ) فلا حاجة لأن يقول الربُّ شيئاً، أمراً أو نهياً، كي يتحقّق المراد، إذ تكفي مشيئتُه لتحققه.
- (أَنْتَ الْمَدْعُوُّ لِلْمُهِمَّاتِ، وَأَنْتَ الْمَفزَعُ فِي الْمُلِمَّاتِ، لاَيَنْدَفِعُ مِنْهَا إلاّ مَا دَفَعْتَ، وَلا
يَنْكَشِفُ مِنْهَا إلاّ مَا كَشَفْتَ) إقرار بعد إقرار، بأن الأمور بيده وحده، لا بيد أحد غيره.
- ثم يبدأ الإمام ببيان حاجاته وشرح تعقيدات أوضاعه: (وَقَدْ نَزَلَ بِي يا رَبِّ مَا قَدْ تَكَأدَني ثِقْلُهُ) صار صعباً شديداً علي (وَأَلَمَّ بِي مَا قَدْ بَهَظَنِي حَمْلُهُ).
- ويعقب ذلك بتقديم طلباته وحاجاته: (فَصَلَّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَافْتَحْ لِي -يَا رَبِّ- بَابَ الْفَرَجِ بِطَوْلِكَ، وَاكْسِرْ عَنِّيْ سُلْطَانَ الْهَمِّ بِحَوْلِكَ، وَأَنِلْني حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا شَكَوْتُ، وَأذِقْنِي حَلاَوَةَ الصُّنْعِ فِيمَا سَألْتُ).
- ولماذا هذا الإلحاح؟ (فَقَدْ ضِقْتُ لِمَا نَزَلَ بِي يَا رَبِّ ذَرْعاً، وَامْتَلأتُ بِحَمْلِ مَا حَدَثَ عَلَيَّ هَمّاً، وَأنْتَ الْقَادِرُ عَلَى كَشْفِ مَا مُنِيتُ بِهِ، وَدَفْعِ مَاوَقَعْتُ فِيهِ، فَافْعَلْ بِي ذلِكَ وَإنْ لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ مِنْكَ، يَا ذَا العَرْشِ الْعَظِيمَ).
- إننا في طول حياتنا، نواجه صعوباتٍ عديدة، وشدائدَ كثيرة، قد تصلُ إلى حدِّ التعقيد والتداخل، فلا يجدُ الإنسانُ منها مَخرجاً، ولولا الإيمانُ بالله وقدرتِه التي لا غالب لها، لقطَع الأمل، ولتمكَّن اليأسُ منه، لأنّه وحدَه سبحانَه الذي بيدِه حَلُّ عُقدِ المكارِه.. وهنا تبرزُ قيمةَ الدعاءِ النابعِ مِن القلب، فينطلقُ الإنسانُ في جوٍّ من الخشوعِ والخضوعِ، ليضع حاجاتِه بين يدي الله تعالى، وحدَه دون سواه (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186].