البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع (17) ـ السيد حسين الشامي

(وَلاَ تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هذِهِ الأمَّةِ، وَاجْتَمَعتْ بِهَا الألْفَةُ، وَصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ،لاَ تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيء مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ، فَيَكُونَ الأجرُ بِمَنْ سَنَّهَا، وَالْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا).
السنة الصالحة: هي الأعمال والمشاريع والعادات والتقاليد التي عمل بها السلف الصالح، في إطار الخير والبر والاحسان، وسار الناس عليها من بعدهم. فعلى الحاكم أن لا يغير السنن، بل يعمل على تعميقها وترسيخها في وجدان الأمة، باعتبارها من الأسباب التي تساهم في وحدة الصف وجمع كلمة المجتمع على الهدى والإيمان والإخاء والتعاون.
ويدخل في هذا الباب مشاريع المبرات والجمعيات الخيرية والصدقات الجارية وبعض أصناف الأوقاف، وإطعام الطعام، وإحياء المناسبات الإسلامية، وإقامة الحفلات الأدبية والاجتماعية والوطنية، وتعظيم الشعائر الحسينية وغيرها من السنن والعادات الحسنة. فإن جميع هذه السنن والأعمال الإيجابية من شأنها أن تعمق الشعور بالمسؤولية، وتحث على تقديم الخدمات الاجتماعية، وبناء المؤسسات ذات النفع العام.
كما أن على الحاكم أن يحذر من تعطيل هذه السنن، أو يختلق من وحي مزاجه الشخصي أعمالاً وسنناً أخرى سلبية تعاكس سنن الخير والإحسان، والتي بدورها تضر بالمجتمع، وتبعده عن طريق الحق وجادة الصواب.
وقد أشار الإمام الصادق عليه السلام إلى قيمة السنة الصالحة في حياة الإنسان. فقد روى الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه: (ستة تلحق المؤمن بعد وفاته: ولد صالح يستغفر له، ومصحف يخلفه، وغرس يغرسها، وبئر يحفرها، وصدقة يجريها، وسنة صالحة يعمل بها من بعده).
فهذا الحديث الشريف بما ينطوي عليه من معاني وأبعاد برنامج عملي مفعم بالحركة والعطاء، ويزخر بالحيوية من جميع جوانبه، فإن الإنسان المسلم لابد من أن يتحرك ويعطي تفاعل مع مختلف الظروف والمجالات المتاحة. فالمؤمن ليس كياناً صامتاً ولا شخصاً جامداً في مضمار الحياة، إنما هو حركة وعطاء ليس فيه كسل أو استرخاء، فهو إما أن يترك ولداً صالحاً يمثل عمق جوده، ويكون امتداداً صالحاً من بعده، وهو إما أن يغرس الغرس ويحفر البئر ويحرث الأرض ويفجر مخزونها الكامن لخدمة الإنسان، أو يترك صدقة تجري مجرى الليل والنهار تسعف الفقير، وتغيث الملهوف. وأخيراً إن على المؤمن أن يعمل بجد واجتهاد على إثبات السنة الصالحة والعادات الحسنة، والتقاليد الحميدة، التي يسير عليها الآخرون، فتكون بمثابة المنار الذي يهدي في طريق الخير والحب والإيثار.