فقه أدب التعايش – 11 - الشيخ حسين المصطفى

الشيخ حسين المصطفى

المواطنة والطائفية

إن من كمال الالتزام بالمعنى الديني للوطن ان يكون الإنسان مخلصاً ووفياً للأرض التي عاش فيها وللوطن الذي احتضنه، لأن الأرض عندما تتّسع لتحمل معنى القضية تصبح هي الإنسان، ولذلك وجب (أنسنتها) لكي يتم التعاطي معها كعنوان أنساني لا يحتمل الجدل في مسألة الدفاع عنه وصونه وحمايته أمام كل طامع وكل طاغٍ، لأن التراخي في ذلك قد يقود الى استعباد البلد وأهله لحساب الطامعين.
إننا نرى ان مسألة المواطنة هي الأساس في علاقة الإنسان بنظام الحكم وبالدولة، بصرف النظر عن الخصوصيات الأخرى الدينية أو العرقية أو السياسية وما الى ذلك. فالإنسان يتساوى مع مواطنه الآخر في المواطنة وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، ومن هنا، فإن النظام الطائفي ينسف معنى المواطنة ويقتلها في الصميم ليحوّل الوطن الى أفراد تتحكم بهم العصبيات الطائفية بدلاً من ان تجمعهم الروح الوطنية وسقف المواطنة.
إننا نحتاج الى ثورة حقيقية على المستوى الثقافي، وعلى مستوى تغيير الذهنية النمطية، ليكون الناس على بيّنة حيال الصورة الحقيقية للدولة الحديثة التي يعيش فيها المواطن وفق مبدأ العطاء والأخذ في ما هي الحقوق والواجبات، لأن المواطنة تعني قبل كل شيء الانتصار على العقلية التي ينتفي فيها الحس النقدي لتتم المصادرة للجميع وبالمجان.
إن ثمة من لا يريد ان يقتنع بأن المواطنة محايدة، وليست سنية أو شيعية، وهي - أي المواطنة - تعزز ما هو مشترك بين مكونات المجتمع الواحد على أساس المصلحة. كما علينا أن نلتفت الى شيء له أهميته حينما تكون فئة ما مضطهدة فإن إحساسها بالمواطنة يضعف ويقل، لا لأنها خارج منطق المواطنة، بل لأن المواطنة هي حقوق وواجبات. ومتى أصبحت مجرد واجبات، أصبح الأمر لا يطاق. حينئذ يمكن للمحرومين حيث وكيفما كانوا ان يكونوا خارج منطق المواطنة.
إننا في أمسّ الحاجة للارتفاع من حضيض الاختلافات المذهبية غير المبنية على أسس فكرية وثقافية الى فضاء الحوار الوطني الجامع، والقبول بالتنوع الاجتماعي الذي يقود الى التفاهم من خلال الحوار البنّاء الذي يعترف منذ البداية بخصوصية الآخر ليمهد للتفاهم العام حول كيفية بناء الوطن ودولة الإنسان والمجتمع الكبير وفق أسس الحماية الإدارية والسياسية والاقتصادية والثقافية.