ضغثان - الشيخ علي حسن

عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: (فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخْف على المرتادين، ولو أن الحق خلص من لبْس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى).
في هذا المقطع من الخطبة يقدم الإمام صورة من صور مصائد الشيطان، لاسيما للإنسان الذي يتدثر بدثار الدين، محقاً كان في ادعائه أم مبطلاً. ومدخل هذه الشرك هو عنوان الدين والحمية له والتعصب للمذهب ولرموزه والدفاع عن مقدساته وغير ذلك من العناوين، ولكن النتيجة هي الوقوع في الفخ الشيطاني المنصوب لتدمير دين الإنسان وتمزيق الألفة بين المؤمنين به. قال عليه السلام في وصيته لصاحبه كميل بن زياد: (إن لهم أي الشياطين خدعاً وشقاشق وزخارف ووساوس وخيلاء على كل أحد قدر منزلته في الطاعة والمعصية فبحسب ذلك يستولون عليه بالغلبة).

الدور الاستكباري

وعيّن هذا الأسلوب تستخدمه الدوائر الاستكبارية أيضاً لتحقيق أهدافها وتمرير مشاريعها في المنطقة، حيث يتم تحريك الأجواء بما يخلق الفتن، ثم تمرر مشروعها بكل سلاسة في حالة غفلة، وهو المشهد المتكرر خلال العقود الماضية ولم يستوعب الكثيرون معطياته. وأتصور ان عودة المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية وفق أجندة معينة على رأسها اعتراف الفلسطينيين ومن ثم العرب بما يسمى بيهودية دولة إسرائيل، والضغط الأمريكي الكبير الممارس في هذا الاتجاه ليس ببعيد عن أجواء الفتن الدينية والمذهبية المبعثرة في المنطقة هنا وهناك.

يهودية إسرائيل

إذا اعترف الفلسطينيون والعرب بيهودية الدولة الإسرائيلية فسيعني ذلك عدة أمور:
1. الاعتراف بأن الأراضي الفلسطينية المغتصبة هي ملك لليهود وليست أرضاً مغتصبة بالقوة، وبالتالي يلغي الحق التاريخي للفلسطينيين بها.
2. إضفاء الشرعية على كل الممارسات الإسرائيلية السابقة التي تم من خلالها اغتصاب الأراضي وطرد أهلها.
3. يعطي للصهاينة شرعية وفق القوانين الدولية لرفض حق العودة للفلسطينيين.
4. تكريس السياسات العنصرية ضد الفلسطينيين الموجودين في إسرائيل، بل واحتمال تعريضهم للتهجير باعتبارهم يقيمون في دولة هي للشعب اليهودي.

بانتظار المزيد

الفتنة التي عصفت في الكويت أخيرا وامتد شعاعها لدول أخرى لم تنته بقرار سحب الجنسية، فأذنابها بدأت تبرز على صورة فضائية جديدة ولربما تلحقها أخريات، وقضايا في المحاكم المحلية والدولية، ومطالبات قضائية بإغلاق فضائيات ستتبعها تشنجات كثيرة، ولربما توسع في دائرة الفتنة لتشمل دولاً عديدة قد يكون فيها التحريك الطائفي عنيفاً جداً.
بل أريد لتلك الفتنة ان تفرّخ فتنة أخرى في الوسط الشيعي أخذت عنوان صراع المرجعيات فُتحت من خلالها ملفات قديمة، ولولا الحكمة في التعامل مع هذه القضية لأخذت مديات أوسع، ومسؤولية الجميع تفويت الفرصة.

تحركات دبلوماسية

وبتصوري أن صدور البيانات من هذه الجهة أو تلك لم يعد كافياً، وأن مرجعياتنا الدينية الشيعية والسنية، لاسيما ذات الامتداد الواسع في العالم، مطالبة بتحرك دبلوماسي متبادل من قبل وفودها، وتحرك آخر على مستوى بعض دول المنطقة لوأد احتمال توسع دائرة الفتنة أو تفريخ فتن جديدة.
والملاحظة الأخرى هي غياب أو خفوت صوت المعتدلين من أبناء السنة ومرجعياتهم الوطنية والدينية في خضم الأجواء الملتهبة التي عصفت بالبلد، وأرى أنهم مطالبون في ظروف مماثلة بأن يعلنوا موقفاً صريحاً وواضحاً برفض الفتنة ورفض توظيفها سياسياً وانتخابياً، وأن يكون حضورهم العقلائي قوياً وفاعلاً مع سائر الأطراف الحريصة على أمن البلد واستمرار حركة التنمية فيها.
إن التعصب المذهبي مرفوض تماماً من أي طرف كان، والموقف دائماً يجب ان يكون قائماً على الحق، وقد قال علي عليه السلام: (إن أفضل الناس عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه، وإن نقصه وكرثه، من الباطل وإن جر اليه فائدة وزاده).