التوظيف الإيجابي للمحنة ـ الشيخ علي حسن

جاء في بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رجع من وقعة أحد ودخل المدينة نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد، إن الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم ولا يخرج معك إلا من به جراحة! فأمر رسول الله مناديا ينادي: يا معشر المهاجرين والأنصار، من كانت به جراحة فليخرج، ومن لم يكن به جراحة فليقم. فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها، وأنزل الله على نبيه: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء:104. وفعلاً تمت الملاحقة وهرب المشركون عند منطقة (حمراء الأسد) وتجنبوا المواجهة، وعزز النبي بذلك مشاعر المسلمين ورفع من معنوياتهم ووظَّف المحنة في الاتجاه الإيجابي بدلاً من أن يسمح لها بتدمير روحية المسلمين وإفساح المجال للتلاوم فيما بينهم وبروز النزاعات.
علم النفس الإيجابي:
وهذا ما طرحه (مارتن سليجمان) سنة 1998 حين أطلق نظرية تحمل عنوان (علم النفس الإيجابي) حيث اعتبر أن:
1. التفكير الإيجابي: بالتعرف على سلبيات وضعيةٍ إيجابية، وإيجابيات وضعيةٍ سلبية، وكيف يمكن تعظيم الإيجابيات في هذه المعادلة الحاكمة لكل وضعية.
2. الوعي بالفاعلية الذاتية: حتى في الوضعيات التي تبدو بدون مخارج.
3. التلاؤمية: أي القدرة على تدبير الأمور في الظروف الصعبة وفي حالات المحن بمقاربة فعالة وناجعة.
بإمكانها أن تؤدي إلى صمود الإنسان في وجه المحنة والخروج منها بشكل إيجابي.
الإساءة والتوظيف الإيجابي:
كما قرأنا موضوع الإساءة في الأسبوع الماضي من جهة موقفنا الشرعي والوطني منها، كذلك من المفترض أن نقرأها من جهة آثارها وانعكاساتها وكيف يمكن أن نوظفها في الاتجاه الإيجابي، بدلاً من أن نحوّلها إلى عامل للتلاوم وتمزيق الساحة وإثارة المزيد من الفتن.
1. ردود الفعل الكثيرة والحاسمة الصادرة، سواء في الكويت أو خارجها، ومن قبل رجال دين وسياسة ووجهاء وغيرهم من المسلمين الشيعة برفض هذه الإساءة وأمثالِها من إساءات قد يعمد إلى إثارتها البعض، تمثل نقطة إيجابية تحسب لهم، وهي رسالة واضحة وأساس راسخ ننطلق من خلاله كمواطنين للتأكيد على أن الموقف الأصلي هو عدم الإساءة إلى مقدسات الآخرين وعقائدهم، وأن الإساءة حالة شاذة مرفوضة ومدانة. وفي المقابل فإن على المواطنين من غير الشيعة بناء مواقفهم المستقبلية في أية قضية مشابهة وفق هذا الأساس، وذلك لإغلاق الباب أمام مثيري الفتن والمتكسبين من ورائها على المستوى الشخصي أو الحزبي أو خدمةً للأغراض الانتخابية أو للأهداف الاستكبارية.
2. من المهم الاستفادة من هذه المواقف الإيجابية الصادرة في العالم الإسلامي لترسيخ مبدأ التقارب بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم، ومن ثم تحقيق الوحدة بين المسلمين، لأنها هي التي تفوّت الفرصة على كل من يريد الفتنة مستقبلاً.
اتقوا الله في الوطن:
3. من المؤسف أن الشارع الكويتي رصد سعي البعض للتكسب السياسي أوالانتخابي أوالإعلامي من وراء تصريحات نارية وإثارات طائفية، كما دخل على الخط بعض الراغبين في تعطيل الحياة البرلمانية أو تقليص الحريات التي ينعم بها الشعب الكويتي.. فليتقوا الله في الوطن الذي ينعمون بخيراته، وليتقوا الله في المواطنين، فإن نار الفتنة ـ إذا سُجّرت لا سمح الله ـ فإنها ستأتي على الجميع. ويمكن توظيف الحدث إيجابياً من خلال السعي لإطلاق مشاريع ولقاءات جماهيرية تؤكد على وحدة الشعب الكويتي ورفض أي نوع من الإساءة.
تبرير غير مقبول:
4. وهكذا تم رصد حالة شاذة من التقبل عند البعض في الوسط الشيعي لما صدر من إساءات، بتبرير أنها ردة الفعل تجاه الحراك التكفيري والإرهابي المتواصل ضد المسلمين الشيعة في العراق والباكستان وغيرهما. إلا أن هذا ما لا يمكن قبوله بتاتاً ومرفوض بكل المقاييس، وعلينا أن نبقى حذرين يقظين لئلا نُجر إلى أتون أية فتنة يُخطِّط لها البعض، وألا نتجاوز وصايا الإسلام كقول أمير المؤمنين عليه السلام (ووالله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة) وكذلك فتاوى الفقهاء الصريحة في تحريم الإساءة. ونحن ندرك أن بعض هذه الاتجاهات التكفيرية الإرهابية إن لم تكن صنيعة الاستكبار أو الموساد فهي تنفذ أجندتهم، وإلا كيف يمكن تفسير تفجير مظاهرة يوم القدس قبل أسابيع قليلة في الباكستان؟ هذا، ويتحقق التوظيف الإيجابي من خلال دور العلماء والمثقفين الشيعة في بيان وتأصيل الموقف الشرعي الرافض لأية إثارات أو فتن مذهبية، واحترام الآخر في وجوده ومقدساته.