الأطفال والعالم الافتراضي

الادمان التكنولوجي قد يبدو شيئاً جديداً على عالم اليوم، والأكثر عرضة له هم المراهقون الذين جذبتهم تلك العوالم الافتراضية من خلال ألعاب الكمبيوتر التي راحت تتطوّر كلّ يوم ومن ثمّ راحت تجارتها تحقق المليارات. تشير تقارير العاصمة الألمانية برلين الى أنّه في ألمانيا وحدها ما بين 400 ألف الى 600 ألف حالة من المراهقين المدمنين ألعاب الكمبيوتر المختلفة، وهي أرقام تقديريّة تتزايد مع الوقت بتزايد وانتشار وتدنّي أسعار تلك التكنولوجيا. على صعيد آخر، يعاني أهالي هؤلاء المدمنين من وصول أولادهم الى هذه الحالة، الاّ أنّهم لا يستطيعون بمفردهم انتشالهم من هذا العالم الافتراضي الذي غرقوا فيه، وحتى من ينجح في ذلك لا يعرف كيف يعيد تأهيلهم ودمجهم في المجتمع من جديد.
يفسّر الطبيب الألماني فولفغانغ بريغمان ظاهرة ادمان الكمبيوتر بقوله انّه لا يمكن الجزم بأنّ كلّ شخص يجلس أمام شاشة الكمبيوتر من 3 الى 5 ساعات هو مدمن، لكنّ هناك ظواهر واشارات تسبق عملية الادمان الكامل وهي على سبيل المثال بداية اهمال الطالب للمدرسة وعدم الاهتمام بمراجعة الدروس والبعد عن الأصدقاء وعدم الشعور بأهمية ذلك مقارنة بشاشة الكمبيوتر التي يجلس أمامها ويعطيها كل الاهتمام، وغير بعيد عن ذلك الشعور كبار السن أيضاً ممّن يغرقون في براثن الادمان وتبدأ أعراض ذلك لديهم في اهمالهم للعمل والوظيفة.
يمكن الجزم بأن نسبة تقدّر بـ %97 من مدمني الكمبيوتر هم من الشباب الذكور الذين غرقوا تماماً في هذا العالم الافتراضي ليس بالألعاب فقط انّما أيضاً مع أصدقائهم الجدد الذين يتعرّفون عليهم من خلال شبكات اتصال الكمبيوتر، ويسيطر هذا العالم الافتراضي على كلّ حواسّهم وتصبح شاشة الكمبيوتر هي محور حياتهم، وبذلك يصلون الى أكثر علامات الادمان خطورة، لأنهم بذلك يسمحون باستسلام كامل للجسم، وتتركّز الحركة فقط في أصابع اليد التي تنقر على لوحة المفاتيح، وفي العين التي تنظر الى الشاشة، وفي العقل الذي يفكّر في تلك الأثناء، فيهملون الطعام والرياضة والتنزّه وكلّ العوامل المفيدة للنفس والصحة، وفي هذه الحالة يصبح المدمن في حالة ماسّة لتلقّي العلاج للخروج من حالة الادمان.
يمكن القول ان أحد أهمّ الأسباب التي تؤدّي الى الادمان هو خاصيّة الانترنت المفتوحة 24 ساعة في اليوم من دون توقّف، وهي التي تساعد في خلق هذه الدائرة من الصداقات في هذا العالم الافتراضي وبذلك تصبح ملاذاً مقبولاً بخاصة لهؤلاء الأطفال أو المراهقين الذين يعانون من الخجل الاجتماعي أو الذين يعانون مشاكل نفسية تحدّ من اندماجهم في المجتمع بشكل كامل، وهم في هذا العالم الخفي وبنقرة واحدة يستطيعون الدخول الى العالم من دون خجل وهو ما يعطيهم الاحساس بالانتصار وبالقوة المزيّفة التي لا يستطيعون تحقيقها في العالم الواقعي.
قد تبدو هناك مشكلة في الوقت الحالي للحدّ من الانترنت، بخاصة ان أحداً لا يستطيع الاستغناء عنه، لكن في حالة الشباب صغار السن، يمكن ان يكون الانترنت تحت سيطرة الأهل ومراقبتهم، لكنّ المشكلة الحقيقيّة تبدو في الأطفال دون سن الرابعة عشر، وبذلك ينصح المتخصّصون ان يقوم الأهل بمراقبتهم والحسم في الحد من جلوسهم أمام الشاشة لفترات طويلة، أما في حالة التمرّد والاعتراض فعلى الأهل رفع جهاز الكمبيوتر مباشرة من أمام الأطفال لمدة تصل الى 4 شهور. والفترة التي يحتار بعدها الطفل على الأكثر هي 3 أيام يعود بعدها في اليوم الرابع الى لعب كرة القدم ونسيان الكمبيوتر.
أمّا في حالة الكبار فانّ رفع الكمبيوتر من أمامهم يمكن ان يؤدي الى دخولهم في حالة من الاكتئاب، وفي هذه الحال تلزم مراجعة الطبيب، وقد لا يتمكّن من معالجتهم لأنّ هذه الحالات من الادمان هي جديدة على المجتمع وتواكب عصراً متقدّماً في التكنولوجيا.