التشيع عند الإمام الباقر ـ العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله

إنَّ التشيّع في الإسلام ليس حالةً منفصلةً عن الإسلام، بل هو الإسلام في كلِّ أخلاقيته، وفي كلِّ إحساس الإنسان بالمسؤولية عن الإنسان الآخر. عن أبي إسماعيل قال: (قلتُ لأبي جعفر محمد الباقر عليه السلام: جُعلت فداك، إنَّ الشيعة عندنا كثير، فقال: فهل يعطف الغنيُّ على الفقير، وهل يتجاوز المحسن على المسئ، ويتواسون؟ فقلت: لا. فقال: ليس هؤلاء شيعة)، لأنَّ الشيعي هو الذي يتحرّك في خطِّ أخلاقية الإسلام في المسألة الاجتماعية، وهو أن يعطف على الفقير، ويحسن إلى المسئ، وأن يواسي أخاه بنفسه وماله، فمن لا يفعل ذلك فإنَّه ينحرف عن خطِّ الإسلام، وبذلك ينحرف عن خطِّ التشيّع.
ويحمّل الإمام الباقر عليه السلام لأحد أصحابه، وهو خيثمة بن عبد الرحمن الجعفي، رسالةً يقول فيها: (خيثمة، أبلغ من ترى من موالينا السلام، وأوصهم ـ وهي وصيّةٌ لنا أيضاً، لأننا من مواليه ونلتزم ولايتهم وإمامتهم ـ بتقوى الله العظيم، وأن يعود غنيّهم على فقيرهم، وقويّهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيُّهم جنازة ميّتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم ـ أن يتزاوروا ـ فإنَّ لُقيا بعضهم بعضاً حياةٌ لأمرنا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا) بالمزيد من التواصل والوحدة والمحبة، والمزيد من التذكّر لكلِّ القضايا الحيويّة التي تجمع الجميع. وأمرُهم عليهم السلام هو الإسلام كلُّه بكلِّ عقائده وشرائعه وقِيَمه وأخلاقه. ويكمل الإمام الباقر عليه السلام: (خيثمة، أبلغ موالينا أنَّا لا نغني عنهم من الله شيئاً إلاَّ بالعمل، وأنَّهم لن ينالوا ولايتنا إلا بالورع، وإنّ أشدَّ الناس حسرةً يوم القيامة مَنْ وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره).
إن قضية الولاية ليست نبضة قلب وخفقة إحساس، ولكنّ الولاية تعني أن توالي الله فتطيعه، وتوالي رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم فتتبعه، وتوالي أهل البيت عليهم السلام فتتحرّك مع منهجهم في طاعة الله سبحانه ومع محبته في ذلك كلِّه.
إنَّ التشيّع لا يمثّل انتماءً شخصياً لعليّ وأهل بيته عليهم السلام، وإنَّما يمثِّل انتماءً للخطّ الذي ساروا عليه وعملوا من أجله وجاهدوا في سبيله، وهو خطُّ الإسلام في خطِّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ويُوضح الإمام الباقر عليه السلام هذا المعنى بقوله لجابر، وهو أحد أصحابه: (يا جابر، أيكفي مَن ينتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت؟ والله ما شيعتنا إلاَّ مَنْ اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون إلا بالتواضع والتخشّع والأمانة وكثرة ذكر الله، والصوم والصلاة وبرّ الوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين ـ المديونين ـ والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكفِّ الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناءَ عشائرهم ـ وهذه القضايا هي أسس التشيّع، لأنَّ التشيّع هو الإسلام كلّه في خطّه الأصيل ـ حَسْبُ الرجل أن يقول أحبّ علياً وأتولاّه ثمّ لا يكون مع ذلك فعّالاً، فلو قال إنّي أحبُّ رسول الله، فرسول الله خيرٌ من عليّ، ثم لا يتّبع سيرته ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبُّه شيئاً، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحبُّ العباد إلى الله عزَّ وجلّ وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته. يا جابر: والله ما يُتقرَّب إلى الله تبارك وتعالى إلاَّ بالطاعة.. مَنْ كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومَنْ كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تُنال ولايتنا إلا بالعمل والورع عن محارم الله).