مسلم مشرك! - الشيخ علي حسن

هل يمكن ان يلتقي الإسلام مع الكفر؟ والايمان مع الشرك؟ وكيف يمكن لتشخيص هذا الأمر ان يخفف من حالة التكفير التي ابتليت بها المجتمعات الإسلامية؟ للاجابة على هذا التساؤل لابد من عرض بعض المقدمات والتي بدورها ستعمل على توضيح الفكرة

المقدمة الأولى:
المستفاد من القرآن والسنة ان ثمة فارقاً جوهرياً بين الإسلام والايمان، فالايمان له علاقة بالقلب والعمل، أما الإسلام فغالباً ما تكون علاقته باللسان والظاهر، قال تعالى: {قالتِ الْأعْرابُ آمنّا قُل لّمْ تُؤْمِنُوا ولٰكِن قُولُوا أسْلمْنا ولمّا يدْخُلِ الْايمانُ فِي قُلُوبِكُمْ} الحجرات:14.وعن سماعه في خبر صحيح السند عن الامام جعفر الصادق عليه السلام: (قلت لأبي عبدالله عليه السلام أخبرني عن الإسلام والايمان أهما مختلفان؟ فقال: ان الْإسلام شهادةُ ألا اله الّا اللّهُ والتّصْدِيقُ بِرسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، بِهِ حُقِنتِ الدِّماءُ وعليْهِ جرتِ الْمناكِحُ والْموارِيثُ، وعلى ظاهِرِهِ جماعةُ النّاسِ.والايمان: الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل، والايمان أرفع من الإسلام بدرجة، ان الايمان يشارك الإسلام في الظاهر، والإسلام لا يشارك الايمان في الباطن وان اجتمعا في القول والصفة).

المقدمة الثانية:
بعض النصوص تقسّم الإسلام الى مراتب، وتقسّم الايمان كذلك الى مراتب، ففي الخبر عن الامام جعفر الصادق عليه السلام: (ان الايمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة...).

المقدمة الثالثة:
وكذلك للكفر مراتب، فهناك كفر عقدي كما في قوله عزوجل: (قُلْ يا أيُّها الكافِرُون، لا أعْبُدُ ما تعْبُدُون) الكافرو:1-2، وكفر عملي ينقسم بدوره الى كفر نعمة كما أشارت اليه الآية الشريفة: (واذْ تأذّن ربُّكُمْ لئِن شكرْتُمْ لأزِيدنّكُمْ ولئِن كفرْتُمْ ان عذابِي لشدِيدٌ) ابراهيم:7، وكفر معصية، أي ان سلكوه مشابه لسلوك الكافرين، وصفته كصفة الكافرين بهذا اللحاظ، قال تعالى: {ولِلّهِ على النّاسِ حِجُّ الْبيْتِ منِ اسْتطاع اليْهِ سبِيلًا ومن كفر فانّ اللّه غنِيٌّ عنِ الْعالمِين} آل عمران:97.

المقدمة الرابعة:
للشرك أيضاً مراتب وأنحاء، فهناك شرك في الألوهية، قال سبحانه: {واتّخذُوا مِن دُونِ اللّهِ آلِهةً لِّيكُونُوا لهُمْ عِزًّا} مريم:81، وشرك في الربوبية قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام: {يا صاحِبيِ السِّجْنِ أأرْبابٌ مُّتفرِّقُون خيْرٌ أمِ اللّهُ الْواحِدُ الْقهّارُ} يوسف:39، وشرك في الخالقية: {أمْ جعلُوا لِلّهِ شُركاء خلقُوا كخلْقِهِ فتشابه الْخلْقُ عليْهِمْ قُلِ اللّهُ خالِقُ كُلِّ شيْءٍ وهُو الْواحِدُ الْقهّارُ} الرعد:16، وشرك في العبودية، قال تعالى على لسان الخليل ابراهيم عليه السلام: {قال أتعْبُدُون ما تنْحِتُون} الصافات:95...والصور الآنفة من الشرك لا تجتمع مع الإسلام.
ولكن من صور الشرك الشرك في الطاعة، وذلك بطاعة غير الله فيما لم يأذن به، كمن يطع الشيطان أو الهوى أو انساناً مثله) وهذا يمكن ان يلتقي مع الإسلام، ولذا قال سبحانه: (وما يُؤْمِنُ أكْثرُهُم بِاللّهِ الّا وهُم مُّشْرِكُون) يوسف:106.وقد بيّن الامام الصادق في معرض تفسير الآية أنه (شرك طاعة وليس شرك عبادة).وكذلك قد يشرك الانسان في النية كما في الرياء، فعن على عليه السلام (اعلموا ان يسير الرياء شرك).

اجتماع العناوين السابقة:
ومما سبق يتضح ان الشرك في بعض صوره قد يشترك مع الإسلام ومع الايمان، بمعنى ان يكون الانسان مسلماً من خلال التشهد بالشهادتين، ويصدر عنه فعل عبادي كالصلاة مثلاً رياءً.أو ان يكون مؤمناً ايماناً بالقلب والتزاماً بالعمل الا أنه يصاب بالضعف في موقف ما فيطيع الشيطان أو يتبع هواه، فيكون قد أشرك مع الله سواه، فهو جامع للايمان والشرك في ان واحد.وهكذا الأمر فيما يخص علاقة الإسلام أو الايمان مع الكفر العملي، بمعنى كفر النعمة أو كفر المعصية.وفي الأحوال السابقة لا يخرج المسلم عن إسلامه الظاهري، ولا يُحكم بكفر المؤمن.

أخطاء فادحة:
وعند التكفيريين من أي مذهب كانوا خلط كبير في هذه الأمور وفي فهم النصوص نتيجة الجهل والاستعجال في الحكم والتطرف في الموقف، فعندما يتعاملون مع الآية القرآنية: {ومن لّمْ يحْكُم بِما أنزل اللّهُ فأُولٰئِك هُمُ الْكافِرُون} المائدة:45، فانهم يسارعون الى الحكم بكفر من تنطبق عليه الآية واخراجه من ملة الإسلام واستحلال دمه والتفريق بينه وبين زوجه وما الى ذلك، بينما الآية ناظرة الى الكفر العملي لا الحكم بالخروج من الإسلام.
وهكذا عندما نأتي الى بعض المفردات الخلافية بين المذاهب الإسلامية، في اطار بعض العناوين العقدية أو الفقهية، فاننا نجد تسرعاً من البعض في الحكم بكفر هذا أو ذاك تمسكاً بقراءة متجزئة غير شمولية لآية أو بضع آيات أو لحديث أو أكثر.
إن من طرق معالجة استفحال حالة التكفير هي الدراسة الدقيقة والواعية لهذه المسائل بنظرة شمولية لا تجزيئية، ولا من خلال نصوص متفرقة.