فقه أدب التعايش 6 - الشيخ حسين المصطفى – القطيف

أصالة الصحة والبعد العقدي:
لو شك انسان ان عقيدة فلان ممن هو على ظاهر الإسلام صحيحة أو فاسدة؟ وأنه مؤمن فعلاً بالله وأنّ محمداً رسوله وأنّ العباد يبعثون ويحشرون، أو أنه لا يؤمن بذلك كله أو بعضة فماذا يحكم عليه؟ لابد ان نلفت النظر بداية الى ان الحكم بفساد العقيدة له مخاطر جمة ومضاعفات خطيرة، لأنّه قد يستتبع حكماً بارتداده واهدار دمه أو حكماً بضلاله وانحرافه، وهو ما قد يؤدي الى محاصرته وعزله اجتماعياً، كما ان للحكم بفساد العقيدة آثاراً شرعية كثيرة، سواء على مستوى الأحوال الشخصية كالزواج أو الميراث، أو على المستويات الأخرى، كتولّيه بعض المناصب والمهام كالامامة والشهادة ونحو ذلك.
يقول الدكتور عبدالحميد الأنصاري: (التكفير حكم عظيمٌ، لما يترتب عليه من آثار خطيرة تمتد من الشخص الى زوجته وأولاده وأهله وقبيلته، فأين حكمة المشايخ وحُسن تبصّرهم في الأمور؟ لقد حذّر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من التكفير، وقال: {أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما ان كان كما قال، والا رجعت عليه}.ان أعظم اثم يرتكبه مسلم ضد أخيه المسلم ان يكفّره وهو يعلم أنه يشهد الشهادتين، ويؤدّي الفروض الدينية، لمجرد الشبهة والظن، أو عن طريق الاستنتاج من الأقوال والمقالات وتقوّلات المغرضين المتربصين، واذا كان الإسلام أمرنا ان ندرأ الحدود بالشبهات، فالتكفير أولى ان يُدرأ بها، فما بال مشايخنا يسارعون في التكفير)؟!
ويكفى ما أصاب الأمة من محن وفتن، قال الشيخ أبوبكر المشهور وهو من علماء اليمن: (فالمتطرفون الأوائل أفتوا بجواز قتل الامام علي لأنه قبِل التحكيم، والمتطرفون السياسيون في الحكم أفتوا بمحاربة الامام الحسين بن علي وقتلوه وأهل بيته شهداء في كربلاء..والمتطرفون من العلماء في عصر المأمون أفتوا بفساد عقيدة من لا يقول بخلق القرآن، والمتطرفون من أهل القرار أفتوا بضرب الامام مالك وتعزيزه حتى خلعوا كتفه وأركبوه على حمار بوضع مقلوب يسيروا به في شوارع المدينة...).ولا مجال الا للحمل على الصحة مادام الشخص على ظاهر الإسلام، ولم يظهر منه ما ينافي ذلك قولاً أو فعلاً.وقد جرت سيرة المسلمين على تصحيح اعتقاد من يدّعي الإسلام حتى يعلم الخلاف، ولا يطالب ببرهان يثبت إسلامه.
وقال المرجع الديني الشيخ ناصر المكارم الشيرازي: (لا يجب الفحص عن تفاصيل معتقده في ناحية المبدأ والمعاد وغيرهما، والدليل عليه هو ما مرّ في القسم السابق بعينه من اطلاق أدلة حجية هذه القاعدة، وشمولها لجميع موارد الشك في صحة فعل الغير من أي واد حصل ومن أي منشأ نشأ، فاذا شك في صحة فعله من جهة الشك في صحة اعتقادِ فاعلِه في الموارد التي يكون الاعتقاد الصحيح دخيلاً في صحة العمل، فاللازم حمله على الصحة بعد ان كان صاحبها متظاهراً بالايمان ومدعياً للإسلام اجمالاً ولم يعلم خطأه).وأضاف كلاما مهماً حيث قال: (بل لا يبعد جواز الحكم بإسلام كل من شك في إسلامه وان لم يدّع الإسلام اذا كان في دار الايمان، والوجه فيه استقرار سيرة المسلمين على اجراء أحكام الإسلام، في المناكح والذبائح والطهارة وغيرها، على كل من كان في بلاد الإسلام من دون فحص عن مذهبه، حتى يقوم دليل على فساده).