هنيئاً لك النوم أيها الجفن المُسهّد - عبدالمحسن الموسوي – بغداد

أكبرتُ يومك ان يكون رثاء
الخالدون عهِدتُهُم أحياء
أو يرزقون؟! أجل، وهذا رزقهم
صنو الخلود وجاهة وعطاء

لماذا الرحيل، يا سيدي؟! ألم تسلك الى العلياء أوعرها سبيلا؟! ألم تقتحم ضياء الشمس لتنعم بدفء سناها؟! ألم يحضنك النجف الاشرف لتنهل من معينه حتى الارتواء؟ حتى اذا شببت عن الطوق، فاذا كُلُّك شغفاً للفقاهة والثقافة! يا جفن السُّهد الذي اقتصّ كل شاردة من علم آل محمد (صلى الله عليه وسلم) وكلّ واردة..ويا سليل «الطهر» الذي ينحدر عنه السيل، ولا يرقى اليه الطير..حملت مع سرب الطيور المغادرة منقاراً وأجنحة «أخفُّ ما لمّ من زادٍ أخو سفرِ»..قطعت رحلة الضوء غير آبهٍ بارتعاشاتِ الظلام من حولك..هاجرت بكبرياء وعيك عن قصد وتصميم من مسقط رأسك «النجف الأشرف»..حتى منطلق مقاومتك «لبنان».
يؤنسك تراقص القوافي في قريحتك..ويوقظك جرس الأفكار على وقع مسمعك..قرأناك على ضوء «قضايانا» فعرفنا وعورة مسارِك، ونبض حركتك، وبوصلة مرساك...كنت تنظر بعين مأهولة بالبصيرة، وتتكلم بصوت يصدح بالحق، وتسير بخطى واثقة على درب وعر.

أعاذِلتي ما أخشن الليل مركباً
وأخشن منه في المُلمّات راكبُه

فشكّلت أنت والرهطُ الواعون معك، وجدان الأمة، ووهج الوعي، وهدفية الحركة..لقد صرخت بالصُّحب ان يرفعوا كؤوس الوعي، وأعلنت هزيمة الخرافة والأسطورة..
يا سيد الثوار..لازال بعضٌ يتمرغ في وحل الأمّعيّة ويخشى السير على شعاع الحرية..تعساً لعشاق الظلام وترحاً..لقد عانقت الموت في مكائد الظالمين وقارعتهم في سوح المواجهة..لا ينيك تهديد، ولا يُقعدك تثبيط..بل مضيت على بينة من أمرك تصنع بلج الصبح، وتحمل مشعله، حتى لا يعود الظلام سابقاً للنور أو تابعاً له.
يا سيدي لا زالت معركة سيادة النور ضد عبودية الظلام تدور رحاها وتدور..أيها الفارس..ترجّل عن صهوة جواد التّعب، لقد أضناك الجري، وأخذ منك الكر والفر مأخذه..لقد بح الصوت المجلجل بدعاء الصّباح..وانطبق جفن الردى على عينين مسمّرتين شطر المسجد الأقصى..

ترفقي يا خطوب الدهر واتئدي
لا تُجفلي النوم في أجفان من سهِدوا

لقد ان لهذا النبض المتدفق ان يتوقف..وحان لأن تُطوى «دولة الانسان» في أبيض الكفن..وتقرع أجراس الكنائس بالرنين، وتجأر عقائر المآذن بالعويل، لموحيات الرحيل..
أبا علي..انا لفقدك لمحزونون، وانا لله وانا اليه راجعون.