رمضان بدون طعم - سيد محمد القزويني

تعيش الأمة الاسلامية هذه الأيام أجواء شهر رمضان الروحانية حيث تغلف الرحمة الالهية كل شيء في هذا الوجود، فتعطيها نكهة خاصة، حتى وان كانت التصرفات والأنشطة التي يقوم بها الفرد هي ذات الأفعال التي يمارسها في الأيام العادية، فترى الزيارات مثلاً لها رونق خاص، وتجد مآدب الطعام ذات شعور مختلف، وهكذا.وهذا لا يمكن تفسيره الا بنزول النفحات الالهية على تلك الأجواء بما يعمرها بالبركة، وهذا بحد ذاته داعٍ لأن يتجه الانسان الى ربه ليرتبط به ويسعى اليه، والشعور بذلك لا يحتاج سوى لحظات من التأمل للمقارنة بين ما يحسه الانسان في تلك الأجواء وبين ما يشعر به في نفس المواقف ولكن في الأيام العادية ليدرك ان يد الرحمة الالهية امتدت في هذه الايام لتؤطِّر حياة الانسان طيلة أيام هذا الشهر الفضيل المبارك.
لكن الانسان وفي خضم احتفاله بشهر رمضان يغفل عن تلك المشاعر لانغلاقه عن تلك الروحانيات ولانشغال ذهنه بالترتيبات والمظاهر والتفكير في الجوانب الاجتماعية كالقيام بواجب الزيارة والتهنئة والاستقبال والأكل خارج البيت لما في ذلك من متعة خاصة لا تتوفر في غير هذه الأيام، ومن ثم تبدأ بعد ذلك حركة الاستعداد للعيد والشراء والتسوق وما يصاحبها من نرفزة وضيق ولا يتبقى الا قليل من الوقت في جو ذلك الانهاك للدعاء والمناجاة فيضيع جل الوقت في هذا الشهر العظيم في أنشطة لا تزيد النفس الا قسوة وجفافاً، في حين ان شهر رمضان هو لترطيب النفوس واصلاحها.وهكذا تضيع الفائدة من شهر رمضان وننشغل بأمور دخيلة على أجواء هذا الشهر ليكون الهم الأساسي هو المظهر الخارجي لشخصياتنا على حساب الجوهر الداخلي لها، والمتعة المؤقتة على حساب الصفاء الروحي، فيمر علينا هذا الشهر دون ان يُستثمر في بناء النفوس ويكون حالنا حال من وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (فان الشقي كل الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهرالعظيم) ومن يحرم الغفران سوى من شغل نفسه بكل شيء سوى الاستغفار والتضرع.فأيام هذا الشهر اذاً كلها رحمة وبركة لا تتطلب من الفرد سوى التعرض لها ليعيشها بروحه وقلبه لا مجرد جسده، وأن يترك عقله ونفسه لتتفاعلا معها وتندمجا في ثنايا ما بثه الباري عزوجل من روحانية في هذه الأيام الجليلة، ليحس بطعم ولذة الخير والعمل الصالح التي تهب على الانسان هذه الأيام، فلا يبحث عن الأعذار التي تبعده عن العطاء الرباني المتدلي طيلة هذا الشهر المبارك على رأس وقلب كل مسلم، وأن يحفظ لهذه الأيام خصوصيتها وحرمتها وكرامتها بالابتعاد عن بعض التصرفات أو التلفظ ببعض الكلمات التي تجرح تلك الحرمة وتنتهك تلك البركة، فيغدو الصيام غير ذي أثر في النفس ويصبح رمضان من غير طعم، لا ينال صاحبه منه الا الجوع والعطش.