غيِّر حياتك إلى الأحسن - الشيخ علي حسن



في المكتبات اليوم عشرات الكتب التي يتحدث فيها مؤلفوها عن إمكانية تغيير مسار الحياة إلى ما هو أحسن، لاسيما لمن يعانون كثيراً نتيجة عوامل مختلفة، وأكثر هؤلاء المؤلفين يذكرون ان نجاحهم في تغيير مسار حياتهم بشكل كبير ودقيق هو الذي حفّزهم لتقديم خطوات النجاح والتغيير الى الآخرين في صورة كتاب أو أكثر..وبعض هذه الكتب جدير بالمطالعة.

تجربة بيني فيرجسون:
يعاني قسم من الناس من الاحساس بفشلهم في عدم تحقيق طموحاتهم في الحياة، بل البعض يشعر بعدم تحقيق أقل تلك الطموحات، وإذا امتزج ذلك بالاحساس بأن خريف العمر قد اقترب، تحوّل ذلك الاحساس الى حالة من اليأس قد تؤدي الى الكآبة أو الاستسلام أمام أبسط التحديات في الحياة، معتبرين ان الظروف والناس الذين من حولهم هم السبب في كل تلك التعاسة.
السيدة بيني فيرجسون مؤلفة كتاب (تحويل حياتك) تنقل لنا تجربتها في هذا الاطار، تقول: (ذات يوم، بعد ان بلغت التاسعة والأربعين من العمر كنت في نزهة في الغابة مع كلابي، وسرحت في تأملاتي، فوجدت أنني لم أحقق أحلامي التي رصدتها لحياتي حتى الآن! فقد هجرتني أمي ولم تزل في شهري الرابع ثم أرسلت للانضمام الى احدى المدارس الداخلية في السابعة من عمري حيث تعرضت لأذى الزملاء وتنمرهم، وشعرت بالوحدة الشديدة، وكانت أولى تجربة جنسية لي عندما تعرضت للاغتصاب في الثامنة عشرة، وخُطبت في التاسعة عشرة، وتزوجت عندما بلغت العشرين، وأنجبت ستة أطفال قبل ان أبلغ الثلاثين من عمري).

نقطة التحوّل:
وهكذا تسترسل في ذكر فشلها في زيجاتها الثلاث وافلاسها وموت أحد أبنائها ووصولها الى شفير اليأس الى ان قررت تغيير مسار حياتها وهي في التاسعة والأربعين، تقول: (حان الوقت كي أدرك ان القاسم المشترك في زيجاتي الثلاث الفاشلة هو أنا.وهذا يعني شيئاً واحداً فقط: يجب ان يبدأ أي تغيير في حياتي بي شخصياً.منذ هذه اللحظة التزمت بأن أغيّر أفكاري، وأخلق حياة جديدة، وأحقق نجاحاً وفقاً لشروطي وبمجهودي الذاتي.والآن أبلغ من العمر الواحدة والستين وآلاف من الناس حوّلوا مسار حياتهم الشخصية والعملية بعد ان فهموا كيف حوّلت مسار حياتي).وتعدد بعد ذلك كيف غيّرت طبيعة حياتها الأسرية الى الأفضل، وانتقلت من حالة الافلاس المالي الى وضع جيد، وأصبحت مديرة ناجحة لشركة تدريب واستشارات تشتمل على فريق عمل من 25 فرداً، وغير ذلك.

الأمل الايجابي:
ما يستوقف القارئ في تجربة كتجربة السيد فيرجسون هو حجم المشكلات التي واجهتها، والمرحلة العمرية التي قررت فيها بدء انطلاقة التحوّل في مسار حياتها الى الأفضل.وفي ذلك روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قوله: (لا تيأس من الزمان إذا منع) و(أعظم البلاء انقطاع الرجاء) و(قتل القنوطُ صاحبه).
ثم يأتي الامام عليه السلام ليؤكد ان لدى الإنسان قدرات كامنة تنتظر تفعيلها، وارادة قوية قادرة على تحدي وتجاوز العوائق، فقد قال فيما روي عنه: (من بذل جُهد طاقته بلغ كُنه ارادته) وعن الامام جعفر الصادق عليه السلام (ما ضعُف بدن عما قويت عليه النية).

العامل الغيبي:
وبالاضافة الى البُعد الشخصي المباشر في تحقق التغيير، فاننا كمسلمين نؤمن بأن يد الغيب قد تتحرك لتعمل حينئذ على انجاح ذلك المسعى، بل نؤمن ألا شيء يتحقق ما لم تكن الارادة الالهية حاضرة، وهذا ما انعكس في كلمات النبي شعيب عليه السلام حيث قال: {انْ أُرِيدُ إلا الإصلاح ما اسْتطعْتُ وما توْفِيقِي الّا بِاللهِ عليْهِ توكّلْتُ واليْهِ أُنِيبُ} هود:88، وعن علي عليه السلام: (التوفيق عناية الرحمن).وهذه الحقيقة تبعث نحو السعي الدائم لتقوية الارتباط بالله سبحانه واستمداد العون منه والتوكل عليه.

حسن النية:
ويبرز في البين عامل النية كعنوان آخر مهم وحاسم في تحقق ذلك التوفيق، فعن علي عليه السلام: (على قدر النية تكون من الله العطية)، وعن الامام جعفر الصادق عليه السلام: (انما قدّر الله عون العباد على قدر نياتهم، فمن صحّت نيته، تمّ عون الله له، ومن قصرت نيته قصر عنه العون بقدر الذي قصّر).

وللحياة الآخرة أيضاً:
وإذا أردنا ان نوسّع الدائرة الى ما يشمل البُعد الأخروي في حياة الإنسان المؤمن بالمبدأ والمعاد، فستواجهنا نصوص عديدة في هذا الاطار، تفتح آفاق الأمل الايجابي، الى اللحظات الأخيرة من الحياة، قال تعالى: {قُلْ يا عِبادِي الّذِين أسْرفُوا علىٰ أنفُسِهِمْ لا تقْنطُوا مِن رّحْمةِ اللهِ ان الله يغْفِرُ الذُّنُوب جمِيعًا انّهُ هُو الْغفُورُ الرّحِيمُ} الزمر:٥٣.
الوقت لم يفت لاتخاذ القرار الحاسم بالتغيير..ولكن التغيير لا يأتي بضربة حظ، ولا يتحقق من خلال الانتظار السلبي، بل بالنية الحسنة والارادة القوية والتخطيط السليم والتوكل على الله..وبيدك ان تغير حياتك الى الأحسن.