الإسراف - الشيخ حسين الراضي

قال الله تعالى: {يا بنِي آدم خُذُوا زِينتكُمْ عِنْد كُلِّ مسْجِدٍ وكُلُوا واشْربُوا ولا تُسْرِفُوا انّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين} الأعراف:31. قال الطوسي: (أصل الاسراف تجاوز الحد المباح الى ما لم يبح، وربما كان ذلك في الافراط، وربما كان في التقصير، غير أنه اذا كان في الافراط يقال منه: أسرف يسرف اسرافاً، واذا كان في التقصير يقال: سرف يسرف سرفاً).
ان الاسراف منشؤه الجهل والغفلة، ومورده الحياة الدنيا والمعيشة الدنيويّة المادّيّة، فالمسرف من توغّل في حبّ الدنيا، واشتدّ تعلّقه وتوجّهه اليها، وغفل عن الحقّ والآخرة، فهو محجوب بالدنيا عن الآخرة، ومشغول بالمادّة عن عالم النور، وقريب من الطبيعة وبعيد عن اللّه تعالى، فهو خارج عن صراط الهداية الى طريق الضلالة، وعن محيط المحبّة والرحمة الى منزل البغض والغواية.
وقد حكي ان الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق فقال ذات يوم لعلي بن الحسين بن واقد: (ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان؟ فقال له علي: قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه وهو قوله {كُلُوا واشْربُوا ولا تُسْرِفُوا} وجمع نبينا صلى الله عليه وآله وسلم الطب في‏ قوله: المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وأعط كل بدن ما عودته.فقال الطبيب ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طباً). وفي الحالة الوسطية مدح القرآن الكريم من يلتزم بها من المؤمنين حيث وصفهم بقوله: {والّذِين اذا أنْفقُوا لمْ يُسْرِفُوا ولمْ يقْتُرُوا وكان بيْن ذلِك قواماً} الفرقان:67.
تتعدد أسباب الاسراف ولكن من أهمها أمور: الجهل الخطأ الغفلة التكاثر والتباهي أمام الآخرين.
ومجموع الآيات التي تعرض القرآن الكريم فيها للسرف ومشتقاته ينبئ عن وخامة الاسراف وخطره على مختلف الأصعدة: الاقتصادية والعقائدية والأخلاقية والسياسية والفقهية.بل ان الاسراف يشكل جريمة على العالم كله ويدفع ثمنها الضعفاء والفقراء ومتوسطو الحال طيلة حياتهم ويرثها أجيالهم المستقبلية.يجب ان يكون الانسان واعيا في حياته كلها ومنها الوضع الاقتصادي فيجب ان يتنبه ويسلك جانب الاقتصاد في حياته ويجانب الاسراف والتبذير اللذين يوديان بحياته وبعد ذلك يصبح فقيراً.ان السلوك المعيشي في الصرف لمنطقتنا وعاداتنا لا تبشر بخير في هذه الأوضاع بل في أي وقت كان.ان الاسراف والتبذير في المأكل والمشرب والملبس والمسكن ووسائل المواصلات والراحة مما يثقل كاهل رب الأسرة ويبقى طيلة حياته في حالة الفقر والاعواز.لذلك حرص القرآن الكريم في أكثر من موطن ان يصف المسرف بقربه من الكفر حيث ابتعد عن الآخرة وانغمس في الدنيا.وأن المبذرين كانوا اخوان الشياطين فلا فرق بينهم.