الامام المهدي والمشروع الطائفي - الشيخ علي حسن


هل مشروع الامام المهدي عليه السلام مشروع طائفي؟ سؤال يبدو غريباً ولكنه سؤال مشروع وقائم على معطيات معينة..وبعبارة أخرى هل سيخرج المهدي فيكون من ضمن مشروعه محاربة بعض المذاهب الاسلامية لحساب مذهب ما؟ ما علاقة (السفياني) بأهل السنة في ذلك الزمان، علماً بأن السفياني من ضمن علامات الظهور ومصنف في قائمة أعداء المهدي؟ وكيف نعالج نصوص السفياني؟ وهل انعكست أحداث التاريخ والصراعات الطائفية على النصوص وعلى أسلوب عرض القضية المهدوية؟

مفتاح الحل:
مفتاح الحل لكل هذه التساؤلات ان نعي مرتكز حركة الامام المهدي في ظهوره، وبالتالي طبيعة حركته واستراتيجيته وشعاراته، واذا عدنا الى النص الأشهر المتفق عليه بين المسلمين جميعاً، والذي يؤكد على ان المهدي عليه السلام سيخرج لكي (يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما ملئت جوراً وظلماً)، فاننا سنعي ان مرتكز الحركة هو اقامة وترسيخ العدل بين الناس.وهذا هو الاطار المرجعي للقضية، وليس نشر الاسلام ولا تغليب مذهب على آخر، باعتبار ان المشكلة المركزية للبشرية في عصر الظهور هي مسألة الظلم والجور التي ستبلغ مدىً تشعر معها البشرية جمعاء بالحاجة الى من يخلّصها من تبعاتها وآثارها.
بالطبع هذا لا يعني إلا صبغة دينية لحركته ولا انعكاسات لها على هذا المستوى، ولكنها ستكون قضية ستكون تابعة للمرتكز الأساسي في حركته، وستثمر في هذا الاتجاه بالتبع.
واذا كان مشروع الامام المهدي يصب في هذا الاتجاه فمن الخطأ ان نتجه نحن الى تأطير حركته باطار مذهبي خاص بحيث نعزل سائر المذاهب الاسلامية، بل ونعزل البشرية عموماً عن قضيته ومشروعه، لاسيما وأن الحديث المتفق عليه لا يطرح هذا البُعد، بل واننا دائماً ما نكرر في مقام الاستدلال بصحة معتقدنا بالمهدي بأن البشارة بظهور المنقذ للبشرية في آخر الزمان أمر مرتكز في كثير من الأديان السماوية وغيرها، ومرتكز في ثقافة الكثير من الشعوب، مما يعني ان الأرضية مهيأة عند تلك الشعوب والمِلل لاستقبال دعوتنا لأصل فكرة المهدوية ومشروعه الكبير.

معالجة النصوص:
بالطبع لا يمكن انكار وجود نصوص موروثة في الكتب تصب في اتجاه تأطير حركة الامام المهدي في اطار طائفي، أو ديني، بحيث يُفهم منها ان الصراع سيكون مذهبياً من جهة، ودينياً من جهة أخرى، ولكن لابد من معالجة هذه النصوص ضمن الاطار المرجعي لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً)، لاسيما اذا أخذنا بعين الاعتبار وجود نصوص كثيرة ضعيفة السند أفرزتها أحياناً أيدي العابثين، ونصوص وُضعت لتوظيف قضية الامام المهدي لصالح خصم سياسي أو طائفي، وأخرى أفرزتها طبيعة المحن التي كانت تعصف بالأمة الاسلامية فتدفع البعض عن حسن نية أو بتحريك عاطفي لتخيل أو تفسير أمور ترتبط بالامام المهدي وحركته ثم تتحول بمرور الزمان الى ثوابت تاريخية أو حتى الى نصوص منسوبة الى النبي أو الامام، فتدخل في ضمن الارث الكبير الذي وصلنا اليوم حول الامام المهدي وعلامات ظهوره وتفاصيل حركته بعد الظهور.ومن المهم ان نعي ان القراءة العاطفية للتاريخ وما سواه تُبعد الباحث عن الحقيقة، لأن العاطفة ايجاباً وسلباً تُعمي وتُصم.وأن التعامل مع المؤلفات الصادرة في أوج الصراع الديني أو الطائفي أو السياسي تحتاج الى قراءة متأنية ومختلفة عما سواها مادامت تتحدث في قضايا تمس ذلك الصراع، وهذا ما نلحظه مثلاً في أسلوب ومصطلحات الكتب الفقهية عند المسلمين في زمن الحروب الصليبية، حيث الشدة في المصطلحات المستخدمة للتعبير عن غير المسلمين، بل وتنعكس حتى على طبيعة الفتاوى المتعلقة بالتعامل معهم، وقس على ذلك المؤلفات الصادرة في زمن الصراع العثماني الصفوي..الخ.

ماذا يمثل السفياني؟
واذا كان البعض يتمسك بعنوان الصراع مع (السفياني) مثلاً كعنوان للصراع الطائفي، فهذه قراءة غير دقيقة، باعتبار ان لقب (السفياني) ان كان للدلالة على المنهج الأموي، فعنوان الأمويين لا يمثلون أهل السنة، فمنهم حكام منحرفين عن الاسلام، ولذا نحن لا نقول ان الصراع بين الحسين عليه السلام وبين يزيد على سبيل المثال كان صراعاً طائفياً بين الشيعة والسنة، بل نعتبره ثورة ضد الجور والفساد، وحركة لاصلاح أمر المسلمين، ولتحرير الانسان من عبودية الانسان.وان كان لقب (السفياني) مجرد لقب فارغ عن تلك الدلالة فالأمر أوضح.ولعل في الخبر المروي بأن عامة من يتبعه من قبيلة (كلب) تأكيداً على ما ذكرت، باعتبار المسألة ستكون من باب النصرة القبلية لا المذهبية.

العدل أساس الحركة المهدوية:
وبالتالي يمكن القول ان الأوفق باستراتيجية حركة الامام المهدي عليه السلام هو ما في قوله تعالى: {لقدْ أرْسلْنا رُسُلنا بِالْبيِّناتِ وأنزلْنا معهُمُ الْكِتاب والْمِيزان لِيقُوم النّاسُ بِالْقِسْطِ وأنزلْنا الْحدِيد فِيهِ بأْسٌ شدِيدٌ ومنافِعُ لِلنّاسِ ولِيعْلم اللهُ من ينصُرُهُ ورُسُلهُ بِالْغيْبِ ان الله قوِيٌّ عزِيزٌ} الحديد: ٢٥.بحيث يتم تسخير ما عند الأنبياء عليهم السلام وبالتالي ما عند الامام المهدي أيضاً من قيم الدين وأحكامه من أجل تحقيق ما فيه خير البشرية، وهو تحكيم القسط بينهم، على ان يكون الاقناع والحوار والعقل ومقارعة الحجة بالحجة هو الأساس في الحركة، ولكن اذا قوبلت تلك الحركة بالعنف والقوة فيكون الاحتكام حينئذ الى (الحديد) كعنوان للرد بالقوة أيضاً.وهذا يرجع بنا الى أسلوب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم حين دعا قومه بالعقل والحجة فلما قابلوه بالعنف والقوة قابلهم بالمثل كأسلوب علاجي ووقائي أيضاً {وأعِدُّوا لهُم مّا اسْتطعْتُم مِّن قُوّةٍ ومِن رِّباطِ الْخيْلِ تُرْهِبُون بِهِ عدُوّ اللّهِ وعدُوّكُمْ وآخرِين مِن دُونِهِمْ لا تعْلمُونهُمُ اللّهُ يعْلمُهُمْ} الأنفال:٦٠.وهذا يعني ألا السيف والقتل هما الأساس في حركته، ولا نشر الاسلام أو تحكيم مذهب ما هو استراتيجية حركته، بل العدل الذي سيجلب الخير للبشرية التي ستنجذب الى دعوته تلقائياً في سائر أبعادها الأخرى، وبمعية عوامل أخرى من قبيل ظهور السيد المسيح عليه السلام وانضمامه الى حركة الامام المهدي وصلاته خلفه.وفي الخبر المروي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حول المهدي عليه السلام: (يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض..تتمنى الأحياءُ الأموات مما صنع الله عزوجل بأهل الأرض من خيره) وفي حديث آخر: (يرضى بخلافته أهل السماء وأهل الأرض والطير في الجو).