خطبة صلاة الجمعة حول يوم القدس العالمي


ـ 7/8/1979 أعلن الامام آخر جمعة من رمضان يوم القدس العالمي: (أدعو جميع مسلمي العالم إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، التي هي من أيام القدر ويمكن أن تكون حاسمة أيضاً في تعيين مصير الشعب الفلسطيني، يوماً للقدس، وأن يعلنوا من خلال مراسيم الاتحاد العالمي للمسلمين، دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم).
ـ قد يُهزَم الإنسان في الواقع، وهذه سنة الله في الحياة، كما قالت الآية (وتلك الأيام نداولها بين الناس)، ولكن الخطورة كل الخطورة أن يُهزم الإنسان في فكره، أن ننهزم من الداخل فلا يبقى شيء في وجداننا اسمه فلسطين.
ـ ولذا حذر الله تعالى المسلمين بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا) لأن الهزيمة النفسية تجعلك مهزوماً على الأرض قبل أن يهزمك الآخرون. وإلى هذا يشير الإمام علي حين سئل: (بأي شئ غلبتَ الأقران؟) قال: (ما لقيتُ أحداً إلا أعانني على نفسه). لتمكّن هيبته في القلوب.
ـ ومن المؤسف أن الخطاب السياسي والإعلامي والثقافي بل وحتى الديني عند البعض يرسخ الهزيمة النفسية عند العرب وعند المسلمين من خلال التركيز على النقاط التالية:
1ـ ماذا نملك لنواجه به الترسانة العسكرية الضخمة والمتطورة عند إسرائيل ومن يقف خلفها؟
2ـ من يتحمل مسئولية الدماء التي تُسفَك على الجبهات وفي العمليات الجهادية ودماء المواطنين الأبرياء؟
3ـ لماذا نعرّض أوضاعنا الاقتصادية والبنيوية إلى التدمير؟
ـ في عدوان تموز 2006 كانت وسائل الإعلام وبعض السياسيين وبعض القادة الدينيين يتحدثون عن قرب وصول الصواريخ الأمريكية التي تخترق إلى عمق كذا وكذا لتستخدمها إسرائيل في القضاء على قادة المقاومة، وكان الاستهزاء من صواريخ المقاومة وأنه تم القضاء عليها وما بقي منها لا يفعل إلا القليل، وكان البكاء والعويل على القتلى والمشردين والكارثة الإنسانية قريبة الوقوع والاقتصاد الذي دُمِّر، وما أشبه ذلك، كان التركيز على ذلك لترسيخ الهزيمة النفسية وللضغط على المقاومة والشعب اللبناني، لأن النصر الحقيقي عندهم هو القضاء على المقاومة التي باتت تزرع العزة والقوة في الوجدان والعقل العربي والإسلامي، ولكن المقاومة وبعض الشعوب العربية والإسلامية بحمدالله كانت تعي مسئوليتها، فكان النصر حليفَ المؤمنين وفق قواعد المعركة التي دارت، حتى توسلت إسرائيل لإخراجها من هذا المأزق بعد 33 يوماً، ثم تغلق ملف الأسرى اللبنانيين قبل أشهر قليلة بعودتهم إلى ديارهم.
ـ ومن ثم عملت إسرائيل والدوائر الاستكبارية على إثارة الحالة الطائفية من جديد وبذرائع مختلفة كالهلال الشيعي، وللأسف الأرضية مهيئة وعندنا وعندهم خير، وعاد المسلمون ليتناحروا من جديد: هل عند الشيعة قرآن آخر؟ وهل كان الخليفة الأول مع الرسول في الغار؟ إلخ... وعندما نتحدث عن مصيرية الوحدة وضرورة اتخاذ إجراءات عملية للحد من الاقتتال والتكفير والفرقة يقول بعض المتخلفين: هل تتنازلون عن عقيدتكم من أجل الوحدة؟ عجباً!! من الذي تنازل عن عقيدته؟ من الذي تخلى عن مبادئه؟ نحن نقول الكل في خطر، فإسرائيل والاستكبار من ورائها لا تفرّق بين شيعي وسني، فرأس الإسلام هو المطلوب.

ـ كما عملت هذه الدوائر على تقسيم واقعنا إلى اعتدال وتطرف وإرهاب ضمن معاييرهم، فمن يقبل الذل والخضوع والانبطاح لإسرائيل كان من أهل المعسكر الأول، ومن لم يكن كذلك فهو في خانة الإرهاب وقوى الشر وقد قال الله تعالى (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) فلو أفرغونا من قضايانا لاتخذونا أصدقاء وكنا في معسكر الاعتدال. ـ ولذا من الأهداف التي سعى الإمام الراحل لتحقيقها من خلال إعلان يوم القدس أن نبقى في معسكر الحق ولنبقى نتذكر القدس وفلسطين كحقيقة قائمة، من أجل ألا ينسى الناس القدس، من أجل أن لا ننهزم في داخلنا كما انهزمنا على الأرض في معارك 48 و 67 وغيرهما .. وقد نسينا اسم فلسطين في كل إعلامنا (فأصبحت إسرائيل) ومن يدري، فقد ننسى القدس (ونستبدلها بأورشليم)!
ـ اللهم انصر الإسلام وأهله واخذل الكفر والنفاق وأهله، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، اللهم اجعل التقوى زادهم والايمان والحكمة في قلبوهم وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم ، وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه ، إله الحق وخالق الخلق ، (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون).