كَذِبَ الوقّاتون! - الشيخ علي حسن

يتحدث البعض عن الإمام المهدي المنتظر محمد ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام في إطار محاولة استكشاف الزمن الذي سيظهر فيه (ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)، وذلك باللجوء إلى بعض المرويات في باب علامات الظهور المبثوثة في الكتب المختلفة، ومحاولة تطبيقها على مجريات الأحداث في الزمن المعاصر، أو بالاستعانة بشئ مما يُنقل أو يُنسب إلى بعض العلماء أو (العرفاء) من إخباراتهم بقرب الظهور، أو بتحديده بين سنوات أو عقود معينة. وقد ظهرت مؤخراً عدة كتب في هذا الإطار، تحدد عام الظهور وتؤرِّخ لسائر الأحداث التي أخبرت بها الروايات كعلامات للظهور، أو كأحداث لاحقة ستتوالى حتى يتحقق الانتصار التام وإرساء دولة العدل. والمشهود أن مثل هذه الأمور تزداد رواجاً كلما عاش مجتمع إسلاميٌّ ما محنة من المحن ينتظر معها قدوم الفرج والخلاص الأبدي من الظلم والعدوان.
النهي عن التوقيت:
وعموماً فإن نفس حالة الترقّب تدل على تلهّف المؤمنين لظهور المهدي من آل البيت في آخر الزمان، لينشر العدل في الأرض، ولكن التوقيت في ذات الحال يدل على جهل بحقائق الأمور وبأهداف الغيبة ولا يتجاوز أن يكون رجماً بالغيب ومخالفةً لمنهج النبي وآله عليهم السلام كما سيتضح من خلال النصوص التالية وغيرها مما ورد في باب النهي عن التوقيت. فالمروي في باب غيبة الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام يؤكد على النهي عن التوقيت، وإن ادّعى المدعي أن الإمام عليه السلام هو المخبِر، في عالم الرؤيا أو اليقظة، ومن هذه النصوص:
1. عن الإمام علي الرضا عليه السلام أنه قال: (لقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك؟ فقال: مثلُه مثلُ الساعة، لا يجلِّيها لوقتها إلا هو، ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة).
2. عن محمد بن مسلم قال: قال أبوعبدالله ـ جعفر الصادق ـ عليه السلام: (يا محمد، مَن أخبرك عنَّا توقيتاً فلا تهابنَّ أن تكذِّبَه، فإنَّا لا نوقِّت لأحدٍ وقتاً).
3. عن عبدالرحمن بن كثير قال: (كنت عند أبى عبدالله عليه السلام إذ دخل عليه مهزم، فقال له: جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظره، متى هو؟ فقال: يا مهزم كذب الوقَّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلِّمون).
4. وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: (.. إن مَن وقَّت لمهديِّنا وقتاً فقد شارك الله تعالى في علمه، وادَّعى أنه ظهر على سره).
مسؤوليتنا في الغيبة:
ولهذا يمكننا أن نقول بضرس قاطع كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن يوم القيامة بوضوح: (إنَّهم يرَوْنَهُ بعيداً، ونراهُ قريباً) المعارج:6ـ7، فكذلك الأمر بالنسبة إلى يوم الظهور، إلا أنَّ التوقيت ليس مسؤوليتنا، فالله الذي جعل حكمته في غيبته، سوف تظهر حكمته أيضاً في ظهوره. أمّا مسؤوليتنا، فهي كيف نحضّر الأجواء المناسبة لهذا الظّهور.. لا بنشر الفساد والظلم كما يدعو إليه البعض باعتبار أن المهدي عليه السلام لن يظهر إلا بعد انتشارهما، بل من خلال إعداد أنفسنا لنكون بالمستوى الذي يليق لنكون من أنصاره وأعوانه، والمساهمين في نشر العدل الذي هو الغاية لظهوره، أو من خلال إعداد الأجيال القادمة التي قد يتحقق الظهور في زمانها، أو لتكون تلك الأجيال هي المهيِّئة لمن سيحمل مشعل نصرة المهدي أو من يليهم وهكذا...
إن مسؤوليتنا في الغيبة ليست في اللهاث وراء مدّعي التوقيت ـ أيّاً كانوا ومهما كانت عناوينهم ـ بل مسؤوليتنا إصلاح أنفسنا وإصلاح الآخرين والمجتمع لنكون من الدعاة إلى طاعة الله متى ما ظهر الإمام المهدي عليه السلام، تماماً كما دأبنا على أن نردد هذا الدعاء الذي يشير إلى دولة المهدي العالمية: (اللّهمَّ إنّا نرغب إليك في دولةٍ كريمة، تعزُّ بها الإسلام وأهله، وتذلّ بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدُّعاة إلى طاعتك)، فكيف يمكن أن نكون دعاة إلى طاعة الله ونحن لم نتوافر على شروط الدعوة إلى الله؟! وكيف ندّعي انتظاره لنكون من أنصاره، ونحن لا نعمل على دعوة الآخرين إلى طاعة الله، ونعيش أنانية الذات حتى على مستوى الخير الأخروي. وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: (أبمثل هذه الأعمال تريدون أن تجاوروا الله في دار قدسه؟ هيهات لا يُخدع الله عن جنته).
غيبته سر إلهي:
إن غيبة المهدي عليه السلام غيب من غيب الله وسرّ من أسراره، تماماً كما هو الحال مع السيد المسيح عليه السلام، ولا نملك معلومات عن طبيعة الحياة التي يعيشها والأجواء التي تحيط به، لأن الله أراد أن لا يُطلعنا على ذلك، وكل ما يمكننا قوله هو أن الإمام عليه السلام يعيش في ذلك الأفق الإلهي الروحي الذي يصنعه الله فيه على عينه، كما أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: (ولتُصْنَع عَلَى عَيْنِي) طه:39، لتتكامل شخصيته بشكل مباشر في رعاية الله وتربيته وإعداده لها، لأن الدور الكبير المنوط بالمهدي هو أن يُكمل مسيرة كل الأنبياء عليهم السلام فيختمها بتلك الدولة التي بشّروا بإقامتها في آخر الزمان لتكون خلاص البشرية في الدنيا من عذاباتها وآلامها، ولكي لا يبقى في العالم شيء اسمه الظلم والباطل، وليعيش الناس أخلاق الجنة في الدنيا قبل أن ينتقلوا إلى الجنة في الآخرة، وهي المهمة التي تحتاج إلى إعداد كبير وتوقيت دقيق.