معالم مرجعية العلامة فضل الله - الشيخ علي حسن

لست بصدد تمجيد المرجع الراحل والمفكر الكبير السيد محمد حسين فضل الله، فحسب ـ وهو أهل لذلك ـ ولكنني أؤمن بأن مرجعيته مثلت خطوات في اتجاه تكامل الحالة المرجعية في تحقيق صورة النيابة العامة للإمام المعصوم.
ويمكن استعراض أهم معالم تلك المرجعية المتميزة في هذا العصر كما يلي:
1. شمولية العطاء المعرفي: إذ لم تقتصر على الفقه والأصول فيما قدَّمه للناس وفي ما يحتاجون إليه، بل قدَّم لهم القرآن تفسيراً وموعظة، والعقيدة والفكر والتاريخ والأخلاق وسائر المعارف الإسلامية التي كانت حاضرة بقوة في كل في كتاباته وخطاباته.
2. القرب من الناس: والانفتاح على قضاياهم، فلم يكن يعير اهتماماً لبعض البروتوكولات التي لا أصل لها، والتي تمثل حواجز بين المرجعية وعامة الناس، فكان يؤم الصلاة في المسجد، ويقرأ للمصلين الدعاء والزيارة ثم يحاضر فيهم ويستقبل أسئلتهم على تنوعها. وقد ساهم هذا الأمر في طبيعة مشاريعه من قبيل فتح المكتب الشرعي للفصل في الخصومات وإنشاء مستشفى خيري وما إلى ذلك.
3. الانفتاح على الآخر المختلف معه: في الدين والمذهب والفكر، وبكل أريحية، فإن صلابته في مبادئه لم تتحول إلى تصلّب في العلاقات، بل كان يركز على مسألة الانفتاح ويشجع دائماً على الحوار البنّاء. وقد انعكس لك بكل وضوح بعد وفاته، حيث اشترك في تقديم التعازي ومراسيم التشييع والكتابة عن الفقيد، علماء ومفكرون ومثقفون ودبلوماسيون ورجال سياسة وأحزاب من شتى الملل والطوائف والاتجاهات والتيارات.
4. سعة الإحاطة بالواقع المعاش: حتى صار مرجعاً في السياسة وفي الفكر المعاصر بقدر مرجعيته الفقهية. وهو القائل: (إنني أتصور المرجع شخصاً منفتحاً على العالم كله من خلال انفتاح الإسلام على العالم، وشخصاً واعياً للأحداث بحيث يتابعها يومياً حتى في صغريات الأمور. إن المرجع لابد أن يكون رائداً في أية قضية من قضايا المستضعفين في العالم، أو أية قضية من قضايا المسلمين في العالم، حتى التي لا تتصل بالواقع الشيعي أو الواقع الإسلامي، لأن المرجع الذي يحمل رسالة الإسلام لابد أن يطل على الواقع العالمي، لأن ذلك من مسؤوليته فيما هي مسؤولية الإسلام في العالم).
5. حضور مواسم الحج: إذ كان يعتبر أن من مهامه كمرجع أن يحقق واحداً من أهداف الحج الرسالية، وذلك بالالتقاء بكل ذلك التنوع الإسلامي الحاضر في هذا الموسم مما لا يتحقق إلا فيه، فكان يحاضر ويجيب ويطّلع على أمور القادمين من البلاد الأخرى، فكان مقر بعثته بمثابة خلية نحل، وهو بذلك يحقق مصداقاً للمروي عن الإمام محمد الباقر عليه السلام: (تمام الحج لقاء الإمام).
6. الاهتمام بالجانب المؤسسي: في توظيف الحقوق الشرعية وغيرها من الأموال التي تضضخ إلى المرجعية، وعلى يديه قامت مؤسسات خيرية ومبرات ومدارس ومستشفيات ومعاهد عالية ودور للمسنين وغير ذلك، مع إنشاء مشاريع تحقق التمويل الذاتي لها.
7. امتلاك روح المبادرة: والقيادة لتغيير الواقع إلى الأفضل.
8. ابتناء الفتوى على المعطى العلمي: كما في تحديد بدايات الأشهر القمرية، وفي فتاوى المسائل الطبية وغيرهما، وذلك بتطبيق القواعد العامة المستنبطة على الموضوعات الخارجية وفي تشخيص الموضوعات ذات البعد العلمي الطبيعي.
9. اعتماد الفتاوى السياسية على اطلاعه الواسع على متغيرات الساحة العالمية. قال: (الفقهاء لابد أن يواجهوا الأسئلة الكثيرة من قبل مقلديهم حول القضايا السياسية وحول الموقف من قضايا الانتخابات أو من قضايا العلاقة مع الحاكم الجائر أو من خلال مسائل الجهاد مما لا يمكن أن يجيبوا عنه بجواب سريع على الطريقة التي كانوا يجيبون عنها في الماضي، لذلك فإن الفقيه حتى في دائرته الفقهية لايستطيع أن يبتعد عن قضايا العصر).
10. الشجاعة في طرح ما يؤمن به: من مسائل شرعية تعتمد على حجج مقنعة وفق منهجه الاستنباطي، وإن خالف بها المشهور، أو جلب له نقمة الآخرين في الوسط العلمي، أو بين عامة الناس، وذلك من قبيل فتواه بطهارة كل إنسان، وبطلان زواج الصغيرة الصوري، وغير ذلك.