آية وفكرة (3) ...ماذا يعني (فإذا هم بالساهرة) ؟ الشيخ علي حسن

فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤) النازعات
ما معنى: فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ؟ وما خصوصية ذلك؟
تتحدث الآيات من سورة النازعات عن حشر الناس في الآخرة، وقيامهم وإخراجهم من قبورهم، قال تعالى: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)) والرادفة من الرديف أي اللحاق في الأثر، أي النفخة الثانية للإحياء بعد الأولى التي كانت للإماتة. ومعنى واجفة: مضطربة.
ثم تتحدث عن تساؤلات الناس -ولربما خصوص غير المؤمنين بالآخرة- نتيجة الدهشة والتعجب مما جرى وما سيجري: (يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)) والمراد من الحافرة: الحياة الأولى، أي هل أعدنا إلى حياتنا الأولى أم أننا في حلم وخيال ووهم؟ فإن كان الأمر حقيقياً فلنا الويل مما سيأتي، إذ ظهر أن ما حُذِّرنا منه قد تحقّق.
يأتي الرد الإلهي بأن لا تعجبوا من الحقيقة التي تواجهونها، والمتمثلة في عودتكم إلى الحياة بعد أن كنتم عظاما نخرة، فالمسألة بالنسبة إلى الله سبحانه بسيطة غير معجزة: (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣)) والزَّجرة: المرَّة من الزجر، يقال: زجر البعير، إذا صاح له لينهض أو يسير، وفيه مناسبة لإِحياء ما كان هامداً كما يُبعث البعير البارك بزجرة ينهض بها سريعاً خوفاً من زاجره. وهذه الزجرة هي الصيحة الثانية للإحياء كما جاء في سورة قاف: (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)) وكما في سورة الزمر: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68)).
وعندما تأتي الزجرة: (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)) والساهرة: هي أرض ذات خصوصيات معينة تجعل من يتواجد فيها ليلاً ساهراً يجفوه النوم نتيجة القلق والخوف والاضطراب: فهي مستوية منبسطة ليس فيها شيء مرتفع يمكن الصعود فوقه هرباً من تهديد ما، ولا الاختباء خلفه، ولا شجرة يمكن الصعود عليها. وهي أيضاً بيضاء، ومن طبيعة مثل هذه الأرض البيضاء أن تكشف كل ما عليها، ولذا كل شيء يكون واضحاً بيّناً، يراه الإنسان، فيبعث على المزيد من الخوف. ثم إن هذه الأرض لم توطأ، ولا يجد عليها الإنسان آثار مشي الناس عليه، بما يبعث على المزيد من القلق لأنها غير مأهولة، ولابد أن ذلك لعدم صلاحها لأن تكون مأهولة أو يجتاز فيها الناس.
كما أن استعمال الفاء للتعقيب السريع و(إذا) الفجائية، كل ذلك من أسباب المزيد من الخوف والقلق والرهبة والترقب.
ماذا نستفيد من الآيات؟
1. ‏تغيير نظام الطبيعة هو من مقدمات القيامة: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6)
2. ‏زلازل يوم القيامة ليست في مرحلة واحدة، بل هي متتالية: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)
3. ‏لا يضطرب الجميع يوم القيامة، بل بعض القلوب تكون مضطربة: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8)
4. ‏ثمة ارتباط عميق بين الحالتين النفسية والجسدية: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)
5. في ذلك الموقف، لا يُمكن لأحد أن يختبئ، ولا أن يُخفي شيئاً، فكل شيء مكشوف: فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)