خطبة الجمعة 29 شوال 1444- الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: تتبُّع العثرات

- عن الصادق (ع): (إنّ أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يواخي الرجل على الدين، فيُحصي عليه عثراتِه وزلّاته، ليعنّفه بها يوماً ما).
- العلاقات الاجتماعية الإيجابية من الأهداف التي يسعى الإسلام إلى تحقيقها، سواء في إطار القرابة، أو العلاقة الزوجية، أو الصداقة، أو الزمالة، أو الجيرة، أو غير ذلك.
- ومن هنا نجد أن سورة الحجرات أوْلَت -في جانب منها- أهمية لبيان مجموعة من السلوكيات والمواقف التي من شأنها توتير العلاقات أو إفسادها، وذلك من قبيل: السخرية، والتنابز بالألقاب، والأخذ بالظن، والغيبة، والتجسس، كما دعت للمبادرة إلى الإصلاح.
- واحدة من السلوكيات السلبية التي يمكنها أن تُدمِّر العلاقات الاجتماعية هي تلك التي أشار إليها الإمام الصادق (ع) في الرواية السابقة.
- هناك مثل يقول: (احتفِظ بالقرش الأبيض لليوم الأسود)، لليوم الذي تحتاج فيه إلى هذا المال الذي وفّرتَه.. ولكن البعض يحتفظون بزلّات وأسرار معارفهم، بل ويتتبّعونها رصْداً وعن قصد، من أجل اليوم الذي لربما يحتاجون فيه للانتقام منهم، أو التشفّي بفضحهم، أو لابتزازِهم بها.
- هذا العمل المَعيب أخلاقياً، مُدمِّر للعلاقات بشكل كبير، وقد روي عن الصادق (ع) أنه قال: (لا تتَّبِع أخاك بعد القطيعة وقيعةً فيه) إذا تفارقتما فلا تكشف زلاتِه وعيوبِه الخاصة أمام الناس (فيسدَّ عليه طريق الرجوع إليك) فمثل هذا التصرّف من شأنه أن يعمّق الخلاف ويسبب جُرحاً غائراً إلى مستوىً لا يدع مجالاً لإعادة العلاقة بين الطرفين (فلعل التجاربَ تردُّه عليك) فلربما تتجدد ظروف تسمح بعودة العلاقة لولا ذلك التصرّف.
- كما أن هذا العمل المعيب أخلاقياً له تبعة أخرى تتمثّل في جعل الإنسان أقرب إلى أوضاع وسلوكيات الكفار إلى أوضاع وسلوكيات المؤمنين، بل وفي رواية أخرى عنه (ع): (أبعدُ ما يكون العبد من الله أن يكون الرجل يواخي الرجلَ ويحفظَ عليه زلاتِه، ليُعيّره بها يوماً ما). وما ينطبق على الصداقة ينطبق على العلاقة الزوجية.
- إن الفراقَ بين الأصدقاءِ أو غيرِهم -لو صار أمراً حتمياً- فينبغي أن يكون فراقاً بالتي هي أحسن، وبما يشبه الصورة القرآنية للعلاقة الزوجية حيث قال تعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة:229]، وهكذا الأمر في العلاقات الاجتماعية عموماً.. استمرارٌ بمعروف، أو فِراقٌ بإحسان، وأما تتبّعُ العثرات، والاحتفاظُ بها من أجلِ توظيفِها عند الاختلاف فمن أقبح السلوكيات، وتجعل صاحبَها مبغوضاً عند الله.