أصدر سماحة العلامة الشّيخ حسين المصطفى بياناً على شبكة القطيف الإخباريّة بمناسبة رحيل سماحة آية الله، السيّد محمد حسين فضل الله، مؤكّداً فيه وحدة الأمّة وعزَّتها.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

{لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}[النّساء: 95].

لم يدر في خلدي يوماً أن أقف لأؤبّن هذا المرجع المجاهد والمُعلِّم الكبير الّذي جاء ليُعبّر عن وجوده ـ في عالمنا ـ من خلال إنسانيّته، وحضارته، وعلمه، وعالميّته... إنّه الفقيه والمرجع الذي اقتطف حكمة الأنبياء، وصفاء الأولياء؛ بما حمله من قلبٍ طالما تعلَّق بالله وتخلَّص من ثقل الأعراض.

لقد تعوّدت السّاحة الإسلاميّة أن تستنير ـ منذ عقودٍ ـ من حركة اجتهاده المستنير وجهاده الكبير الّذي سخّره في سبيل إعلاء كلمة الله؛ ليتحمَّل أخطار السَّاحة وتحدّياتها وكلّ سلبيّاتها، وقد كانت لإسهاماته الفضل الكبير في تشكيل الخطاب الإسلاميّ الشّيعيّ الحديث؛ فهو الّذي نسج للوحدة رمزاً، وللتّعايش قيمةً، وللحبّ مساحةً، وللحرّيّة متنفّساً...

وصرف من أجل تثبيت هذه القيم الرّساليّة عمره الشّريف كلّه. وما كان لها أن تأخذ هذا الحجم العالميّ إلا من خلال ما يملكه من عناصر شخصيّته الذاتيّة، ولا سيّما شجاعة الموقف ورحابة الأفق، فهو قطب عظيم، لـم ينبض مشرقنا الإسلاميّ بمثيلٍ له منذ عهدٍ طويل.

لقد انفتح ـ قدّس الله سرّه ـ مبكراً على عالميّة الإسلام، ووحدة الأمَّة، والسّعي لأجل قضاياها المصيريَّة، وعلى رأسها القضيَّة الفلسطينيَّة، وكرَّس فكره لإعلاء مبادئ الإسلام العليا في خطابه، موضحاً أنّ الإسلام لا بدّ من أن يصوغ وعي الإنسان بذاته داخل مجتمعه الإنسانيّ المتنوّع، وعلاقته بالوجود من حوله، وأنّ الإسلام يبني الإنسان العقلانيّ في مسؤوليّته عن أفكاره وما يعتقده، وغرس فينا الحريّة والعدالة والمحبّة والكرامة.

إنّ خسارة العالم الإسلاميّ، بل العالم الإنسانيّ برحيله، لا تعوّض، وإنها لثلمةٌ كبيرةٌ انفتقت عن جرحٍ عميقٍ أرجو من الله تعالى أن يعوّضها بمثله. فيا مولاي ـ يا حجّة الله ـ أعزّيك في هذا المصاب الجلل، وأعزّي الأمّة الإسلاميّة بفقيد علمها المجاهد الكبير، سماحة آية الله العظمى السيّد محمد حسين فضل الله (قدّس الله سرّه). وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.