خطبة الجمعة 21 جمادى الآخرة 1444: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: شرف الذاكرين


- قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [النور:36].
- وسئل النبي (ص): (يا رسول الله، هذا البيت منها؟ لبيت علي وفاطمة. قال: نعم، من أفاضلها)، فقد أدرك علي والزهراء (ع) أن ذِكرَ الله من أهم الأمور التي تُحقِّق الرفعة لأي بيت من البيوت، وأن ذِكرَ الله رِفعةٌ وشرفٌ للذّاكر.
- في الدعاء الحادي عشر من أدعية الصحيفة السجادية الذي جاء بعنوان (دُعَاؤه عَلَيْهِ السَّلَامُ بِخَوَاتِمِ الْخَيْرِ) يقول الإمام زين العابدين (ع): (يا مَنْ ذِكْرُهُ شَرَفٌ لِلذَّاكِرِينَ).
- عادةً، عندما تذكر أحداً بخير، فإن ذلك يكون تشريفاً للمذكور وإعلاءً لمكانته.. ولكن الإمام زين العابدين (ع) ينبّه هنا إلى أن ذكرَنا لله سبحانه -على العكس من ذلك- هو شرفٌ لنا نحن الذاكرين.. تماماً كما تقول أن النبي (ص) كان عبداً لله.. هذا شرف للنبي، شرفٌ أن تربط النبي بالله، ولو كان على نحو العبودية.. نحن نذكر الله فنرتفع قيمة بذلك، وهو أمرٌ يُفتَخَر به أن يأتي العبدُ باسم سيده ويذكره مكرراً، وفخرٌ أن يَنسب نفسَه لله.
- (وَيَا مَنْ شُكْرُهُ فَوْزٌ لِلشَّاكِرِينَ) في الانتخابات مثلاً، عندما تَشكر أحدَ المرشّحين على أخلاقه، أو تمسّكه بمبادئه، أو لمساعدته مَن يلجأ إليه، فهذا في الواقع مساعدةٌ منك له كي يحقق الفوز في المنافسة الانتخابية.. أي أنَّ شُكرَ المرشَّح فوزٌ للمشكور، أما شكرُ الله تعالى فهو فوز للشاكرِ نفسِه، لأنّ لهذا الشكر الكثيرَ من البركات الإلهية: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم:7].
- (وَيَا مَنْ طَاعَتُهُ نَجَاةٌ لِلْمُطِيعِينَ) وهكذا الأمر في الطاعة، حيث أن طاعة الإنسان للإنسان الآخر فائدةٌ للمُطاع، ووسيلةٌ لتحقيق حاجاته... أما في المعاملة مع الله، فإن طاعتَه فائدةٌ للمطيع، ووسيلةٌ لتحقيق غاياتنا: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ) [الأعراف:96].
- وما دام الأمر كذلك، فلماذا البخل في ذِكر الله؟ المفروض أن يكون الأمرُ على عكس ذلك، لأن الإنسانَ يبحثُ دائماً عمّا يُحقّق له الفائدة.. ولذا يقول الإمام زين العابدين (ع) بعد ذلك: (صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاشْغَلْ قُلُوبَنَا بِذِكْرِكَ عَنْ كُلِّ ذِكْر، وَأَلْسِنَتَنَا بِشُكْرِكَ عَنْ كُلِّ شُكْر، وَجَوَارِحَنَا بِطَاعَتِكَ عَنْ كُلِّ طَاعَة)... فما المانع؟
- يخبرنا القرآن الكريم عن عدة موانع تصرف الإنسان عن ذكر الله وشكره وطاعته، وواحدة منها المشروع الشيطاني الذي يسعى لتحقيقه على الدوام وبطرق مختلفة من بينها ما جاء في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة:90-91].
- ولنا وقفة في الخطبة الثانية مع هذه الآية الشريفة بإذن الله تعالى.