خطبة الجمعة 14 جمادى الآخرة 1444: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: إتقان الوصية

- حين تحدث القرآن الكريم عن تقسيم الإرث وأنصبة الورثة حسب الحالات المختلفة، تحدّث أيضاً عن الوصية، مبيّناً بأن تقسيم مال الميت على الورثة إنما يكون بعد تنفيذ الوصية وتسديد ما على الميت من ديون، سواء أ كانت ديوناً للناس، أم ديوناً شرعية: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ.... مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ.... وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ...) [النساء:11-12].
- وإذا كانت الآيات الشريفة لم تُبيِّن النسبة التي يحقّ للإنسان أن يوصي بها، فإن السنّة الشريفة حدّدت الوصية المالية بحدود الثُّلث كحدٍّ أقصى، كما أن القرآن الكريم لم يحدِّد نسب الزكاة، وقام النبي (ص) ببيانها... مع العلم بأن المورِّث غير ملزم بالإيصاء بثلثه أو أقل من ذلك، بل هو حقٌّ له لا أكثر.
- والوصية لا تشمل الجانب المالي فحسب، بل من الممكن أن يكون الميت قد أوصى بأمور أخرى، ويجب تنفيذها، وذلك من قبيل الوصية بالدفن في مكان معين، أو الوصية بأن يكون أخوه مثلاً قيّماً على أبنائه الصغار، وأمثال ذلك.
- واحدة من الأمور التي ينبغي العناية بها تتمثّل في حُسن الوصية، وقد روي عن النبي(ص) أنه قال: (مَن لم يُحسن وصيَّتَه عند الموت، كان نقصاً في مروّته وعقله).
- والأمثلة على ذلك كثيرة، من بينها:
1. ترك أكثر من وصية مكتوبة وغير مؤرَّخة وبلا أية قرائن تدل على الأخيرة منها. وهذا يُدخِل الورثة في ربكة كبيرة، ولربما يخلق بينهم نزاعات هم في غِنىً عنها.
2. تكليف الوصي أو الورثة بما لا يطيقون أو بما هو حرج، كالدفن خارج البلاد أحياناً.
3. تدوين وصية، ثم إيصاء أحد الأبناء بأمور شفهية، مما قد يؤدّي إلى تكذيبه، وبالتالي الدخول في منازعات، أو عدم تنفيذ هذه الوصايا، وغير ذلك.
4. تدوين الوصية بصورة غير متقَنة، بحيث تُفهَم بأكثر من صورة، أو تكون قاصرة عن إيصال المعنى المراد، أو فيها تضارب، أو تجاوز لمقدار الثلث.
5. الوصية بما يُحدِث خلافات بين الورثة بالتفضيل من غير مبرر، كأن يعطي أحد أبنائه من الثلث، دون البقية وبلا مبرر، فلو كان معاقاً مثلاً، أو بنت عزباء، وأمثال ذلك فلربما يكون في البين عذر. ويفضّل حينئذ بيان سبب هذه الوصية لتطييب الخواطر.
6. الوصية بما يخلق مشكلات للورثة عند التنفيذ، من قبيل الوصية بثلث كل الأملاك، فيشمل بيت السكن والأثاث والسيارة وغير ذلك.
7. تعيين وصي، ثم تعيين آخر من دون علم الأول.
8. عدم توضيح مراده من بعض العناوين المذكورة في الوصية، فلربما يريد أن يخصص الثلث للفقراء فحسب، ولكنه يجعل العنوان فضفاضاً يشجّع بعض الورثة على استغلال هذا المال لصالحه، كما لو نقصه مال للسفر السياحي، أو تعليم أبنائه في مدارس خاصة.
- إن الله سبحانه وتعالى أراد من خلال تشريع الوصية أن تكون باباً من أبواب الخير والمنفعة لدائرة أوسع من دائرة الورثة، وأن تكون الوصيةُ وسيلةً لتنظيم وضبط كيفية تنفيذها، فإنْ أقدم المكلف على الوصية بصورة غير متقَنة، فلربما حوّل باب الخير هذا إلى نِقْمة، وسبب من أسباب الخصومة والنزاع بين الورثة، أو بينهم وبين آخرين. لذا فإنّ إتقان الوصية يستدعي ملاحظة عدة أمور، من بينها استشارة أهل الاختصاص.