«سي.أن.أن» أصبحت أكثر جبناً منذ الاستغناء عن أوكتافيا نصر -روبرت فيسك

لقد خمَّنت ذلك: «سي.أن.أن» استغنت عن أوكتافيا نصر، وهي واحدة من كبار المحررين في الشرق الأوسط، بعدما كتبت تعليقا على موقع «تويتر» مدحت فيه المرجع الشيعي آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله في لبنان، ووصفته بأنه «واحد من عمالقة حزب الله الذي تكن له احتراما كبيرا».

حسنا، لم يكن فضل الله رجل حزب الله، ولكن لا يهم. ولكن بالتأكيد كان واحدا من العمالقة. رجل لديه علم هائل في الفقه ومؤمن بحقوق المرأة، وكاره لـ «جرائم الشرف»، وناقد لنظام الحكم الديني في إيران، وهو إلخ... حسنا، من الأفضل أن أكون حذرا وأتوقف عن ذكر محاسن المرجع اللبناني البارز لأنني ربما قد أتلقى مكالمة هاتفية من باريسا خسروي -نائب رئيس شبكة «سي.أن.أن»- تبلغني فيها بإيقافي عن العمل مثلما حدث مع أوكتافيا نصر التي عملت طوال 20 عاماً في شبكة «سي.أن.أن».

يا عزيزي لقد أصبحت شبكة «سي.أن.أن» المسكينة أكثر جبنا منذ هذه اللحظة ولذلك لم يعد أحد يهتم بها كثيرا، فليس من الممكن أن يقال مثل هذا المدح في حق فضل الله، هذا الرجل الذي يتذكر الأميركيون مباركته للتفجير الانتحاري الذي ضرب قاعدة لمشاة البحرية الأميركية في بيروت عام 1983 وأدى إلى مقتل 241 شخصا، وقد نفى فضل الله تماماً تأييده لهذا الهجوم، وأنا أصدقه، أعتقد أن الانتحاريين لا يحتاجون إلى مباركة لأنهم مؤمنون بأنهم يقومون بواجبهم تجاه الله من دون الحاجة لأي مساعدة من قبل المرجع فضل الله.

والآن نتطرق إلى فرانسيس غاي، سفيرة بريطانيا في لبنان، بعدما كتبت على مدونتها الشخصية أن فضل الله كان رجلا تحترمه وتشعر بالامتنان أثناء اللقاء معه في لبنان.. ولقد تعرضت غاي لموجة غضب من وزارة الخارجية الإسرائيلية بسبب ثنائها على الرجل، وقال المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية إنه سيكون «مثيرا للاهتمام» معرفة كيف تفكر وزارة الخارجية البريطانية في تصريحات غاي. وأنا شخصيا سأكون أكثر اهتماما لمعرفة كيف تفكر وزارة الخارجية الإسرائيلية في جوازات السفر البريطانية التي زوَّرتها الحكومة الإسرائيلية من أجل استخدامها في قتل محمود المبحوح قيادي حركة حماس في دبي منذ بضعة أشهر.

وينبغي كذلك إظهار كيف أن فضل الله -الذي كان شاعرا أيضا- كان بإمكانه شد أزر الناس حتى بعد موته، عندما اختطف صديقي وزميلي تيري أندرسون في بيروت -وظل نحو سبع سنوات تقريبا تحت سطح الأرض ليقضي بذلك أطول فترة أسر- ذهبت لرؤية فضل الله، الذي قابله أندرسون بنفسه في وقت مضى، وقال لي فضل الله «لقد كان في بيتي وكان تحت حماية بلادي»، وأضاف «أنا أعتبره صديقي»، ربما كانت هذه المقولة هي التي حفظت حياة تيري. وهنا صدفة غير عادية: لقد عاد تيري إلى بيروت هذا الأسبوع مع عصبة من الطلاب.

وفي هذه الأيام، تطالعنا الصحف بعناوين أن فضل الله بمثابة المرشد الروحي لحزب الله وهذا ليس صحيحا.

لقد دعم المقاومة اللبنانية خلال اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 وكان معارضا شرسا للسياسة الأميركية في المنطقة -مثل أي شخص آخر تقريبا في العالم بما في ذلك داخل الولايات المتحدة نفسها- كما طالب بوضع حد لسفك الدماء الذي يحدث إبان احتفالات الشيعة في عاشوراء (عند الشيعة يعتبر حدادا على مقتل حفيد النبي).

وذهبت لرؤية فضل الله مرة أخرى، قبل ان أتوجه الى بغداد مع الكثير من الأفكار بشأن الاختطاف تدور في ذهني، حيث التزمت بتوجيهاته لتجنب الاختطاف هناك. واستمع إليّ بلطف وقال لي إنه ينبغي عليّ رؤية صديق مسلم شيعي مقرب له في العاصمة العراقية. ولقد فعلت هذا. واصطحبني صديق من المنتسبين إلى فضل الله إلى النجف وكربلاء الذي جلس في الجزء الأمامي من السيارة بملابسه الدينية وظل يقرأ القرآن الكريم على طول الطريق.

وخلال كل ساعة قضيتها في المدن العراقية المقدسة، كان لي لقاء مع بعض رجال الدين الشيعة، كل واحد منهم من الطلاب السابقين لفضل الله. وكل واحد منهم مد يده لي برزمة كبيرة من الكتابات والوثائق والخطب التي جمعوها على مدى السنوات الـ10 إلى الـ15 سنة الماضية، ووعدت كل واحد منهم بعرض أوراقهم على فضل الله، وكذلك فعلت، وبعد شهر من ذلك، عدت إلى الضاحية الجنوبية لبيروت مع اثنتين من الحقائب الضخمة واستقبلني فضل الله بابتسامة كبيرة. وكان يعلم ما في الحقائب الواردة معي.

لا يهمني –بصراحة- ما تفكر فيه خسروي نائبة مدير شبكة «سي.أن.أن» بشأن هذه القصة ولا يهمني ما يعتقده مسؤولو وزارة الخارجية الإسرائيلية ولا السفراء البريطانيون. ولكنني أعتقد أن فضل الله كان رجلا عظيما ومهما جدا حيث ما فعلته خطبه الثابتة بشأن الحاجة إلى التجدد الروحي وحُسن الخلق كان أكثر من المتوقع لاسيَّما في بلد يغمره فيضان البلاغة والخطابة، ولقد شارك الآلاف في تشييع جنازة فضل الله في بيروت يوم الثلاثاء الماضي، وإنني لست مندهشا لذلك.