شهادة جديدة لأوكتافيا.. ولحضور أكبر في زمن الغياب - هاني عبدالله

"أنا حزينة لتبلّغي نبأ وفاة آية الله محمد حسين فضل الله، أحد عمالقة رجال حزب الله، فأنا كنت أحترمه جدّاً".

هذه هي الجريمة التي يُعاقب عليها قانون "CNN" ومن ورائه القانون الأميركيّ، ومن ورائه قانون اللّوبي الصّهيوني في الولايات المتّحدة الأميركيّة، أو من وراء ذلك كلّه قانون الكيان الصّهيونيّ.. كلّ من تسوّل له نفسه أن يندفع ليعبِّر عن رأيٍ شخصيّ ليسجِّله على صفحته عبر "الإنترنت"...

"شطبت" هذه الجملة الزّميلة أوكتافيا نصر من محطّة التلفزيون الأميركيّة "CNN"، ربما لأنَّ سماحة السيِّد فضل الله هو الاسم الأوَّل المدوَّن على لائحة الإرهاب الأميركيّة منذ عهد الرّئيس الأميركيّ "الدّيمقراطيّ" بيل كلينتون..

لم يستطع صدر "الدّيمقراطيّة" الأميركيّة أن يتّسع لرأيٍ شخصيّ.. كما خان صدر هذه الدّيمقراطية "المتدحرجة" عميدة الصحفيّين في البيت الأبيض (الذي ازداد مع مجيء أوباما) هيلين توماس، عندما نصحت حاخاماً يهوديّاً أميركيّاً بأن ينصح الإسرائيليّين.. بالعودة إلى بلادهم في ألمانيا وبولندا والولايات المتّحدة، لأنّ فلسطين هي للشعب الفلسطيني..

إذاً، المشكلة تكمن فينا!!.. فقد استقدم جورج بوش الابن كلّ ترسانة أميركا من الطّائرات والقذائف ـ الذكيَّة وغير الذكيَّة ـ إلى المنطقة، بدءاً من العراق، ليعلِّمنا قواعد الدّيمقراطيّة الأميركيّة، ومع ذلك لم نتعلَّم.. لم نتعلَّم كمسلمين أو كمسيحيّين.. لأنَّ شيئاً فينا اسمه "الإنسان" لا يزال يصرّ على أن يستيقظ فيعبِّر عن نفسه ويقول كلمته.. وإن بشكلٍ شخصيّ ـ فتنهال العقوبات وتسقط التبريرات أو المبرّرات..

"أوكتافيا نصر"، الزّميلة التي تعرَّفنا إليها قبل أكثر من عشرين سنة، والّتي أجرت مقابلةً مع سماحة السيِّد منذ ذلك التّاريخ، وكانت تقوم بواجبها ضمن سياق عالٍ من المهنيَّة.. تجرَّأت هذه المرّة، وسمحت لقلبها أن يتقدَّم ليعطي مهنيّتها شيئاً من الحنان الزائد، ربما نزولاً عند نصيحة سماحة السيِّد ـ رضوان الله تعالى عليه ـ الذي كان يقول: "علينا أن نعطي العقل جرعةً من العاطفة ليرقّ ويلين، ونعطي العاطفة جرعةً من العقل لتتوازن..."، ودفعت الثّمن غالياً، لأنَّها لم تلتفت إلى قواعد الأدب الأميركيّ العالي في التزام ديمقراطيّة يقولون إنَّها أرقى من ديمقراطيّات العالم الثّالث..؟!..

على كلِّ حال، فإنَّ هجوم خارجيّة العدوّ على السفيرة البريطانيّة في لبنان، فرانسيس غاي، التي سمحت لنفسها بأن تكتب عن لقائها مع سماحته ـ رضوان الله تعالى عليه ـ: "عند زيارته، يمكنك أن تكون متأكّداً من حصول نقاشٍ حقيقيّ يرافقه جدال محترم، ومن أنَّك عندما تتركه سيبقى لك منه شعور بأنَّك أصبحت شخصاً أفضل، هذا بالنّسبة إليّ هو الأثر الفعليّ لرجل الدّين الحقيقيّ، الذي يترك أثراً في جميع من يلتقيهم، بغضّ النظر عن دينهم"...

هذا الهجوم الصّهيونيّ على السّفيرة البريطانيّة في بيروت، أوضح الصّورة تماماً: من غير المسموح لأحد أن يقول كلمة الحقّ إذا كانت تزعج كيان العدوّ.. ومن غير المسموح أن يتكوّن رأي عام أو جمهور معيَّن حتى وإن كان صغيراً.. يعمل على تصنيف الناس والقيادات خارج السياق الاستكباريّ.. ومن غير المسموح لأولئك الملهمين في خطّ الحريَّة وقيادة الشّعوب إلى التّحرير، أن يقتحموا على القارئ الغربيّ أو غير الغربيّ حياته ووجدانه..

القصّة كلّها عند الصّهاينة، فلقد حشر العدوّ في الزاوية، وبانت صورته على حقيقتها، وأحسَّ في الفترة الأخير، وخصوصاً بعد مجازره في لبنان وغزَّة، والهجوم الوحشيّ على أسطول الحريَّة، بأنَّ شيئاً ما في العالم قد تغيَّر، وأنّ الأمور لم تعد على حالها.. وأنَّ العالم بدأ يكتشف صورة الوحش وحقيقته في هذا الكيان.. ولذلك صدرت الأوامر الدّيمقراطيّة بإقصاء من لا يأخذ بالدّيمقراطيّة على الطّريقة الأميركيّة الإسرائيليّة..

فهنيئاً لأوكتافيا نصر تحصيلها الشّهادة الجديدة..

وهنيئاً لكلّ من تجرَّأ على قول الحقيقة وإن في بعض ملامحها..

أمّا الإمبراطوريّة الإعلاميّة الأميركيّة، فهي على طريق الزوال، تماماً كما الإمبراطوريّة الماليّة المهتزَّة.. وبالتّالي، فهنيئاً لأمريكا أوباما "عالمثالثيّتها" الجديدة.. وأهلاً بها إلى نادي الدّيكتاتوريات العربيّة..

"إنَّها من بركات السيِّد".. كرَّرها زميلي قائلاً: ألا ترى معي أنَّ الشّهادات تتكرَّر في الغياب أكثر من الحضور... ألا تدري أنَّ الحضور يزداد ألقاً في أشدّ ساعات الغياب قساوةً؟!