تلاوة وتفسير الآيات 40-46 من سورة فصلت

إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 40
- الإلحاد: الميل عن الاستقامة.
- وحيث ذكر بعض الآيات الكونية في الآية 37، وفي الآية 39، وبدأ فيهما بقوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ)، قال بعد ذلك: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ).
- ويحتمل أيضاً شمول الآيات القرآنية، حيث تضمنت السورة في الآية 26 الحديث عن موقف المشركين من القرآن الكريم (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) وهذا من الإلحاد والميل عن جادة القرآن المستقيمة. ولكن يبدو أن المراد الأولى فقط، حيث أن الآيتين 41-42 ستختص بالموقف من كتاب الله.
- والفعل المضارع يدل على الاستمرارية والإصرار على ذلك.
- والإِلحاد في الآيات مستعار للعدول والانصراف عن دلالة الآيات الكونية على ما دلت عليه. وإن قلنا بشموله للإلحاد في الآيات القولية، فسيكون مستعاراً للعدول عن سَماعها، وللطعن في صحتها، وصرف الناس عن سماعها.
- ويلاحظ استعمال حرف (فِي) وليس (عن) والغرض من ذلك إِفادة تمكّن إلحادهم حتى كأنه مظروف في آيات الله، حيثما كانت، أو كلما سمعوها.
- (لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ) تذكير لهم بإحاطة علم الله بكل كائن، وقد مرّ معنا أيضاً شهادة الجوارح، وقوله: (وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ، وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ) 22-23.
- (أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ) المقابلة بين الصورتين تفترض أن يقال (أم من يدخل الجنة)، ولكن جيء بأهم صفة تخصّ الجنة وهي الأمن، لتأكيد أهميتها في الآخرة، ولبيان أن مسألة العذاب في النار لا تخص البعد المادي فقط، بل حتى النفسي المرتبط بالشعور بالأمن في مقابل الخوف.
- (ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ) أيها الملحدون في آيات الله (إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) تهديد ووعيد.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ 41 -42
- إنّ تحتاج إلى خبر بعد الاسم، والاسم هنا (الَّذِينَ كَفَرُوا)، فما هو الخبر؟
1. ما جاء في الآية 44: (أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) وهذا الوجه بعيد لوجود سبع جمل بينهما، فهل كل هذه الجمل جمل معترضة؟
2. أو ما جاء في الآية 40: (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا) على أساس أن (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ) بدل عن (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا) وبعدها الخبر: (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا).
3. أو خبر مقدَّر دلّ عليه قوله في الآية 40: (أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ)، والخبر المقدّر هو (يُلقون في النار).
- (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) الكفر بالقرآن يشمل:
1. إنكار كل ما يوصف به القرآن من دلائل كونه من عند الله، وقولهم: سحر، وشعر، وقول كاهن، وقول مجنون، ولو نشاء لقلنا مثل هذا، وأساطير الأولين.
2. التزامهم بما هو مخالف لما اشتمل عليه القرآن من أمور الشرك وغيرها.
3. مواقفهم السلبية الأخرى بمثل قولهم: قلوبنا في أكنّة، وفي آذاننا وقر.
- لقد كفروا بالذِّكر المنزل عليك يا رسول الله، والحال (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ).
- وفي الآيتين خمس صفات للقرآن:
1. ذِكر، أي يذكِّر الناس بما يحتاجون إليه لهدايتهم وصلاح حالهم في الدنيا والآخرة.
2. كتاب عزيز، والعزيز النفيس، والعزيز أيضاً: الذي يَغلب ولا يُغلب.
3. لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ: أي لا يشتمل على الباطل بحال. كأن في البين عدواً يهجم عليك من الأمام، فتطرده، فيأتيك خلسة من الخلف فتطرده، ولذا فهو عاجز عن أن يصل إليك.. هكذا هو حال الباطل تجاه القرآن الكريم.
4. مشتمل على الحكمة لأنه (تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ)، ولا يصدر عن الحكيم إلا الحكمة. كما أنه محكم متقَن، ولذا فإنه (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ).
5. مستحقّ للحمد الكثير، لما فيه من الخير الكثير، والهداية العظمى، والحكمة الجليلة، لأنه (تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)، والحميد هو المحمود حمداً كثيراً، ومن يكون حميداً، فإن كلامه يستحق الحمد الكثير.
- فما أجهل المشركين وما أشد حماقتهم حيث قالوا: (لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)!