خطبة الجمعة 8 جمادى الأولى 1444: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: العفو.. فلسطين.. والفتنة


- لدي في هذه الخطبة عدة موضوعات تبدو غير مترابطة، ولكن برأيي أن من المحتمل وجودَ شيء من الارتباط بينها.. ولا أريد أن أفرض رأيي وتحليلي على أحد، ولكن أحببت أن أشارككم الأمر، فلعل وعسى تكون هناك فائدة عملية من وراء ذلك.
- أول موضوع يرتبط بصدور المرسوم الأميري بشأن العفو الخاص، والذي له علاقة بما يُعرف بجرائم الرأي. فالحمد لله رب العالمين -أولاً وآخراً- على ذلك، والشكر والتقدير لسمو الأمير، ولكل من عمل وكافح من أجل إنجاز ذلك وإتمامه.
- ونتمنى أن يكون هذا العفو منطلَقاً لإعادة دراسة القوانين الخاصة بجرائم الرأي، بحيث توضع الأمور في نصابها بعيداً عن المغالاة، فالحرية المسئولة للكلمة ضمانة لاستقرار المجتمعات ونمائها، أما تكميمُ الأفواه فيجعلُ حالَ المجتمع كالنار الكامنة تحت الرماد.
- كما ونتطلّع أن تكون الكويت -من خلال هذا العفو- قدوة لسائر المجتمعات، وأن تُدرس إيجابيات هذه التجربة، فلا شيء أفضل للبلاد والعباد من المصالحة الوطنية، وفتح صفحة جديدة في العلاقة بين أصحاب القرار وبين المواطنين، فالاحتقان المستمر لا يعود بخير على أحد.
- والمرجو من أصحاب القلم والكلمة ونشطاء التواصل الاجتماعي -ولا سيما الشباب منهم- أن تكون لديهم من الحصافة والحكمة ما يدفعهم إلى إبداء الرأي، والنقد، بصورة تبتعد عن التجريح والسب والإهانات والتنابز بالألقاب، وأن يتم -بدلاً عن ذلك- التركيز على النقد العلمي للفكرة السلبية إن وجدت.
- الموضوع الثاني يرتبط بفوز القضية الفلسطينية بكأس العالم (مونديال 2022).
- فقد تابعنا خلال الأيام الماضية حضور الحق الفلسطيني من خلال التفاعل الجماهيري العربي والإسلامي والعالمي، والذي انعكس في مقاطع الفيديو والصور التي أظهرت التعاطف الجماهيري الكبير مع الحق الفلسطيني، ورفض التطبيع، ومقاطعة وسائل الإعلام الصهيونية، وامتناع بعض المحال التجارية عن تقديم خدماتها للإسرائيليين، وارتفاع الأعلام الفلسطينية بصورة رمزية معبِّرة خلال بعض المباريات وأمثال ذلك.
- هذه الحقائق أزعجت الإسرائيليين بشدة، ودفعتهم إلى أسلوبهم المعتاد في التباكي والتمسكن والتعبير عن الشعور بالذل في هذه الاحتفالية العالمية.
- الموضوع الثالث يتعلق بإثارة محلية ذات طابع طائفي، تخص شكوى مرفوعة ضد أحد الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي، حول دفاعه عن الإمام علي (ع).
- الآن بغض النظر عن حيثيات الموضوع، والدوافع الشخصية عند الطرفين، ولكن ما استغربت منه أنه بمجرد أن أثيرت هذه القضية، انتشرت -كالنار في الهشيم- رسائل تخص موقف وزارة الأوقاف الكويتية من أحد خطباء أهل السنة لمغالاته في مدح النبي وذكر والدته المكرمة، على الرغم من أن القضية تعود إلى أكثر من 4 سنوات، وأثارت ضجة في حينه، وانتهت الأمور إلى ما انتهت عليه، فلماذا إعادة نشرها في هذا التوقيت؟ ولصالح من؟ لست في وارد الدفاع عن أحد أو جهة، ولكن الأمر فعلاً مريب.
- وبالطبع، فإن تفاعل الناس مع الموضوع يأتي عفوياً ونتيجة الغيرة على النبي (ص)، وتشتعل المنصات بالأخذ والرد، والقيل والقال، دون التفات إلى أن إثارة الموضوع أمر مفتعل، وأن القضية قديمة، وأن في البين من استغل قضية الشكوى ليزيد النار اشتعالاً.
- الآن، لو جمعنا قضية العفو الأميري مع هذه الإثارة الطائفية، فهل تتجه البوصلة إلى بعض الجهات التي لا تريد لهذا الأمر أن يحقّق جانباً مهماً وحيوياً من المصالحة الوطنية، فتخلط الأوراق من جديد من خلال اللعب على العامل الطائفي الذي عادةً ما يكون مؤثراً جداً، ويجد من الناس تفاعلاً كبيراً معه؟ هذا محتمل.
- ولو جمعنا الموقف السلبي من الصهاينة في أجواء المونديال، مع الإثارات الطائفية في توقيت متزامن، فهل توجّهنا البوصلة إلى تل أبيب التي عندما تجد وحدة رأي مضادٍ لها في أوساط مجتمعاتنا، فإنها تلجأ عادة إلى إثار قضايا مذهبية تُشغل الناس عنها، وتحوّل أنظارَهم إلى مكان آخر، لتخفّف الضغط الإعلامي عليها؟ هذا أيضاً محتمل.
- لا أعلم إن كنت أبالغ في هذا التحليل، ولكن الأمر يستحق التفكير والتروّي قبل التفاعل بشكل محموم مع ما يصلنا من جهات مجهولة تثير قضية هنا، وقضية هناك، وتنكأ جروحاً قديمة، وتجدّد العهد بقضايا خَبَا بريقُها، وزالَ أثرُها، ولكنْ في البين مَن لا يريدون الخيرَ بالوطن وبالأمّة... فلنتعامل مع الأمور بمستوى من الحذر والحكمة والتروّي كي لا نكون الأدوات التي يَستغلّها الآخرون -ولا سيما الصهاينة- لتحقيق مآربهم الشيطانية، ولنتعلّم من دروس الماضي، فقد أخبرنا الآباء أنه عندما أراد المستعمر أن يُمرّرَ قوانين وإجراءاتٍ لصالحِه في الجارة العراق بعد ثورة العشرين، أثار من خلال بعض أذنابه مسألةً فقهية خلافية وحسّاسة، فما انتهت زوبعةُ الخلافات التي انجرّ وراءها الناس بعفوية وبحميّة مذهبية، إلا وقد حقّق المستعمر ما أراد.. فهل من مدّكر؟!