خطبة الجمعة 8 جمادى الأولى 1444: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: فلنتعلم حُسن الاستماع


- من حِكم الحياة التي استوقفتني، ما روي عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: (.. وتعلَّمْ حُسن الاستماعِ كما تتعلمُ حُسنَ القول).
- كثيرون هم الذين يبحثون عن حكمة صينية هنا، وحكمة هندية هناك.. جيد، وقد روي عن الإمام علي (ع) أنه قال: (خذ الحكمةَ ممن أتاك بها، وانظر إلى ما قال، ولا تنظر إلى مَن قال).
- ولكن علينا أيضاً أن نلتفت إلى كنوز الحكمة الكامنة في ما وصلنا عن النبي (ص) وعن آله (ع)، فقد قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ، وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الجمعة:2-4].
- وهذا يعني أنه كان من مسئوليات النبي (ص) أن يقدّم الحكمة لمعاصريه وللأجيال القادمة، وهذا تماماً ما قام به، ونهض أئمة أهل البيت (ع) بذلك من بعده، وبين أيدينا نموذج منها... فمن المفترض العنايةُ بهذه الحكم، ونقلُها للعالَم.
- نعود إلى الحكمة المروية عن الإمام الباقر (ع).. فمن أسباب بروز الخلافات، وإثارة النزاعات، سوء فهم كلام الطرف الآخر والناتج عن أمور، من بينها:
1. الخلاف المسبق، دينياً كان، أم اجتماعياً، أم اقتصادياً، أم ثقافياً، أم غير ذلك، وهو ما يدفع إلى أن تكون أحكامُك المسبقة تجاهه حاكمة على كلامه، حتى قبل أن تستمع إليه.
2. عدم الإنصات الجيّد، مما يجعل رسائل المتحدث غير مكتملة في الذهن، فقد يفوتك حرف نفي، أو تغفل عن أنه في مقام ضرب المثال، أو غير ذلك.
3. عدم قدرة المتحدث على بيان مراده جيداً، مما يفتح أكثر من احتمال لمعنى كلامه.
4. وجود أسباب للتشويش، كأن يكون في المجلس أكثر من متحدث، أو غير ذلك.
- كل ما سبق أسباب قد تؤدي إلى عدم وصول المعنى المراد من كلمات المتحدث إلى المستمع، فيساء فهمه، وتبدأ المشكلة الكلامية، ولربما تتطور الأمور إلى ما هو أسوأ.
- من هنا يوصي الإمام (ع) بحُسن الاستماع: (.. وتعلَّمْ حُسنَ الاستماعِ كما تتعلمُ حُسنَ القول).. ولتحقّق ذلك، لابد من رفع الموانع التي أشرتُ إليها قبل قليل.
- كما وينبّه الإمام (ع) إلى تدريب النفس على حُسن الاستماع لا مجرد الاستماع.
1. فمن حُسن الاستماع أن تسمح للطرف الآخر ببيان فكرته وإكمالها، وتقديم حُججه.
2. ومن حُسن الاستماع أن تحُسن الظن بالمتحدث، إلا إذا ثبت لك خلافُ ذلك.
3. ومن حُسن الاستماع أن تتواضع فتستمع إلى من هو أقلّ منك، سناً، أو مقاماً، أو علماً، أو غير ذلك من أسباب التفاوت بين الناس.
- قال أحد العلماء: (إني لأسمع الحديثَ مِن الرجل وأنا أعلم به منه، فأريه مِن نفسي أني لا أُحسِنُ منه شيئاً.. إنّ الشابّ ليتحدّثُ بحديثٍ كأني لم أسمعْه، ولقد سمعتُه قَبل أن يولد).
- اللهم اجعلنا ممن ذَكرتَهم بقولك: (فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [الزمر:18].