خطبة الجمعة 1 جمادى الأولى 1444: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: أهكذا التربية يا وزارة؟

- تكرر في القرآن الكريم استعمال الكناية والابتعاد عن توجيه الكلام المباشر في بعض الحالات، وذلك تأدّباً عند التعبير عن أمور فيها قُبح، أو فيها شيء من الخصوصية.
- ففي حدود العلاقة الحميمة الخاصة بين الرجل والمرأة، يكنّي القرآن الكريم عن الفعل بعنوان (المس) تارة كما في قوله تعالى: (لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً) [البقرة:236]، وبعنوان (الملامسة) مرة أخرى: (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء) [النساء:43]، وبكلمات أخرى كالقُرب وغير ذلك.
- وهكذا الأمر بالنسبة إلى التعبير عن قضاء الحاجة في قوله: (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ) [النساء:43] فليس المراد من الكلمة المذكورة المعنى المتداول الآن، قال العلامة الطباطبائي: (في قوله تعالى: [أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ] من الأدب البارع ما لا يخفى للمتدبِّر، حيث كنّى عن المراد بالمجيء من الغائط، والغائط هو المكان المنخفض من الأرض وكانوا يقصدونه لقضاء الحاجة ليتستّروا به من الناس تأدباً، واستعمال الغائط في معناه المعروف اليوم استعمال مستحدث من قبيل الكنايات المبتذلة.... ولم يقل: [أو جئتم من الغائط] لما فيه من تعيين المنسوب إليه، وكذا لم يقل: أو جاء أحدكم من الغائط، لما فيه من الإضافة التي فيها شوب التعيين، بل بالغ في الإبهام فقال: [أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ] رعاية لجانب الأدب).
- ولكن من المؤسف أن نجد في بعض مناهج التربية الإسلامية المدرسية عندنا ما يخالف هذا النهج القرآني في رعاية الأدب والذوق، خصوصاً وأن الذي من المفترض أن يتعامل مع النص الدراسي فتية وفتيات في سنّ المراهقة.
- فمثلاً، في كتاب التربية الإسلامية للصف التاسع والصادر عن وزارة التربية في الكويت درساً في ص 102 تحت عنوان (أؤمن بالبعث بعد الموت وأهوال الحشر) حديث عن النبي (ص): (يُحشر الناسُ يوم القيامة حفاةً عراةً غُرلاً)!!
- وكأن المعدّين لم يكتفوا بذكر ذلك مرة، ليكرروه من جديد في ص 104: (يحشر العباد يوم القيامة حفاةً عُراةً غُرلاً -أي غير مختونين- كما ولدتهم أمهاتهم. عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله (ص) يقول: [يُحشر الناسُ يوم القيامة حفاةً عراةً غُرلاً] قلت: يا رسول الله! النساء والرجال جميعاً، ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال [ص]: [يا عائشة! الأمر أشدّ من أن ينظر بعضُهم إلى بعض]).
- وسؤالي للقائمين على إعداد هذا الكتاب: ما الداعي لذكر مثل هذا الحديث وهذه التفاصيل لطلبة وطالبات في سن 14 و15 سنة، أي من فئة المراهقين؟ معلومة؟ ما أكثر التفاصيل القرآنية والحديثية عن يوم القيامة، هل هذه المعلومة بهذه الضرورة لتُذكر هكذا؟
- ثم في المدارس الخاصة يقوم -أحياناً- مدرسون ذكور بتدريس هذه المادة للفتيات، فكيف سيتعامل مع النص؟ وكيف سيكون موقف الطالبات المراهقات وتعليقاتهن؟ بل هناك مدارس مختلطة في الصف الواحد، كيف ستكون الموقف؟
- وكيف سيتعامل ولي الأمر لو جاءت إليه ابنته وسألته عن معنى الكلمة الواردة في الحديث، وغير ذلك من التفاصيل، وما هي الصورة التي يمكن أن تنقدح في ذهن المراهق والمراهق عن عُري الرجال والنساء في مكان واحد؟ وغير ذلك من الأسئلة والأفكار.
- وهناك ملاحظات أخرى على نفس هذا الدرس، ومنها أن الشمس ستنزل بحيث تكون على مسافة ميل (أقل من 2 كم) من الناس، ولربما بمقدار (ميل الكحل) أي 10 سم.
- يقول: (وإذا كانت هذه حرارتها مع بعدها عن العباد في الدنيا، فكيف إذا كانت على الرؤوس بمقدار ميل؟) ثم استشهد بحديث نبوي وفيه: (فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يُلجمه العرق إلجاماً).
- حسناً، لو سأل الطالب: نحن نعلم أن المسافة بين الأرض والشمس بمتوسط تقريباً 150 مليون كم، وأن الشمس لو اقتربت كاقترابها من عطارد أو الزهرة فلن تكون الأرض صالحة للسكنى، ولو اقتربت أكثر فسيحترق كل شيء. فكيف لو أصبحت على بعد أقل من 2 كم؟
- ثم ألم يذكر القرآن أن الشمس ستكوّر وتضمحل وتفقد حرارتها؟ وأليس من المحتمل أن قوله تعالى: (لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا) [الإنسان:13] يدل على عدم وجود الشمس في الآخرة؟
- وما معنى تفاوت مستوى انغماس الناس في عرقهم؟ أليس المكان مفتوحاً؟ فكيف يختلف منسوب ارتفاع العرق من شخص إلى شخص وهم متجاورون؟
- ولا يقولن أحد كيف ترد على النبي؟ فهذا حديث، قابل لأن يكون موضوعاً أو محرفاً.
- هذه أسئلة مشروعة يطرحها الطلاب فيما لو تعاملوا مع الحديث السابق وشرحه الساذج المطروح في الكتاب، وقد يدفع ببعضهم إلى الابتعاد عن الدين تدريجياً والشك فيه، نتيجة ما يعتبرونه تصادماً بين الدين والعلم فيما لو تراكمت مثل هذه المعطيات.
- نحن اليوم نعاني مع الجيل الشاب في المحافظة على دينهم، ونخاف عليهم الوقوع في فخ الملحدين واللا دينيين، ومثل هذا الطرح الغريب من مقرر للتربية الإسلامية يقدّمهم لقمة سائغة لأعداء الدين.
- بغضّ النظر عن بقايا البُعد الطائفي المشحون في كتب مادة التربية الإسلامية الخاصة بوزارة التربية عندنا، لابد من الالتفات إلى ما هو مطروح فيها أحياناً من مفردات تخدش الحياء، ويعفّ عن ذكرها اللسان، فكيف تُقدّم للمراهقين من أبنانا وبناتنا؟ وكيف تُقدَّم لهم مضامين تتصادم مع معطيات علمية أو تبتعد عن المنطق والتحليل العقلي فترسّخ في أذهانهم ما يطرحه الملحدون من أن الدين ضدّ العلم، وأن الإلحاد والعلم قرينان؟ لاسيّما في غياب معالجة شاملة وواضحة للمعلومات، والاكتفاء بالشرح الساذج للنصوص المروية.. هذه مجرد نماذج لخلل يستدعي المراجعة التربوية والدينية والعلمية والنفسية والاجتماعية الرصينة لما يُقدَّم في مدارسنا تحت عنوان التربية الإسلامية، وبما يتوافق مع دعوات الإصلاح الجذرية على كافة الأصعدة.