خطبة الجمعة 20 صفر 1444: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: وصلوا لأطفالنا

- نتوقف من جديد مع الذكرى السنوية لنهضة الإمام الحسين (ع) من خلال ذكرى الأربعين، لنستلهم بعض العِبر والدروس من هذه النهضة المباركة.
- ووقْفتُنا في هذه الخطبة مع النداء الذي أطلقه الإمام (ع) في خضمّ المواجهة مع العدو في ساحة المعركة-بحسب المروي عنه- حيث قال: (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دينٌ، وَكُنْتُمْ لا تَخافُونَ الْمَعادَ، فَكُونُوا أَحْرارًا في دُنْياكُمْ هذِهِ، وَارْجِعُوا إِلى أَحْسابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ عُرُبًا كَما تَزْعُمُون).
- إذ أراد بهذا النداء أنْ يوقِف القوم أمامَ مسئوليّتهم فيما أقدموا عليه.. ففي المقام الأول، المسئولية الدينية التي تُحرّم عليهم سفك الدم الحرام، وإعانة الظالم، وغير ذلك من الجرائم التي أحاطت بواقعة الطف، وقد قال تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93]، وقال سبحانه: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة:32].
- فما بالك إن كان المقتول بحجم ريحانةِ رسول الله (ص)، سبطِ النبي، وحبيبِه، وسيدِ شبابِ أهلِ الجنة، وبحجم الثلة الطيبة التي نصرته من أهل بيته وأنصاره؟!
- ولهذه المسئولية الدينية تبعة أخروية خطيرة جداً كما ذكرَت آية سورة النساء: (فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
- وقد نبّههم إلى ذلك الإمام (ع) حيث أردف المسئولية الدينية بذِكر الآخرة: (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دينٌ، وَكُنْتُمْ لا تَخافُونَ الْمَعادَ...).
- أما المقام الثاني، المسئولية الإنسانية حيث قال: (فَكُونُوا أَحْرارًا في دُنْياكُمْ هذِهِ)، فإذا لم يتحرّك الفرد من خلال الوازع الديني لتصحيح موقفه وتجنّب ارتكابه الجريمة الكبرى، فإنّ مِن المؤمَّل أن يحرّكه ضميره، وأن تحرّكه إنسانيّته في الاتجاه الصحيح.. الاتجاه الذي يفرض عدم الخضوع لسلطان الظالمين في ظلمهم، والتحرّر من عبودية الإنسان للإنسان.
- يأتي هذا في الوقت الذي كانت مسألة الحرية والعبودية مسألة حساسة عند العرب، ولذا أردف الإمام (ع) بعد ذلك بالتذكير بأهمية هذا العنوان الذي يُفتَرض به أن يحرّك هؤلاء القوم نحو الاتجاه الصحيح من خلال كونهم عرباً، والعربي يأنف من العبودية أشدّ الأنفة: (فَكُونُوا أَحْرارًا في دُنْياكُمْ هذِهِ، وَارْجِعُوا إِلى أَحْسابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ عُرُبًا كَما تَزْعُمُون) فكيف تُسلِمون رقابَكم لابن زياد وابن سعد ويزيد، وتُقدِمون على ما أنتم غيرَ مؤمنين به، بل لمجرّد الخضوع لهم؟!
- ونحن أيضاً بحاجة إلى مثل هذا الخطاب في معالجتنا للتحدّيات الفكرية والأخلاقية المختلفة التي تواجِهنا، ومن بينها المشروع الذي تبنّته حكومات ومنظّمات عالمية ومؤسسات اجتماعية وتربوية وإعلامية وحتى صحية، والخاص بتطبيع الشذوذ.
- وقد تحدثت عن هذا الموضوع -خلال أقل من سنة ومن هذا المنبر- عدة مرات، وبيّنت خطورة الهجمة القادمة بقوة والتي لا تخاطِب الكبار فحسب، بل وتستهدف الأطفال أيضاً.
- وزادت وتيرة الحملة خلال شهر يونيو الذي أُطلق عليه عنوان (شهر فخر المثليين)، واليوم نحن نعيش امتداد هذه الحملة العالمية المسعورة على واحدة من القيم الإنسانية والإسلامية.
- وأذكّركم بما ذكرته من قبل من أن الحملة ليست عشوائية، بل تأتي ضمن خطةٍ استراتيجية رسم معالمَها كتاب (After the Ball: How America Will Conquer Its Fear and Hatred of Gays in the 90's) (بعد الكرة: كيف ستنتصر أمريكا على مخاوفها وكراهية المثليين في التسعينيات)!
- ونجح المشروع الشيطاني هناك، وجاري العمل على تطبيقه في مجتمعاتنا الإسلامية.
- كان من بين عناوين الخطّة إقحام الأطفال في عملية تطبيع الشذوذ، سواء من خلال المناهج الدراسية، أو بسنّ القوانين (لحماية) الأبناء -الذين يختارون تغيير جنسِهم- من أبويهم، أو من خلال توظيف الرسوم المتحركة، والقصص، والأفلام، والشخصيات المحبوبة
لترويج الشذوذ وتطبيعه.
- ولا يخفى عليكم أنه خلال السنوات الثلاث الماضية تم إنتاج أكثر من فيلم ضخم للأطفال والمراهقين، تعمّدوا فيها إقحام شخصيات شاذة يكون لها دور البطولة، وأثارت ضجّة عالمية.
- وحتى لو مُنع عرض بعضها في دور السينما في بعض البلاد المحافظة، فإنهم قد حققوا بذلك نجاحاً في إثارة أصل القضية، وجعلها مطروحة على بساط النقاش، كجزء من عملية التطبيع، ولربما تغيير قناعات الأطفال والمراهقين تدريجياً بالاتجاه الذي يخططون له.
- وخلال الأيام الماضية، صُدم المجتمع الكويتي بجرأة إحدى المكتبات المحلية على بيع قصة للأطفال تتضمّن ترويجاً للشذوذ -بشكل مباشر وواضح- على الغلاف وفي المحتوى الداخلي للقصة، وكذلك ترويج لفكرة الأسرة المكونة من رجلين وامرأة أو ثلاثة رجال وما شابه!!
- وهناك أيضاً صفحة كاملة مخصصة لأسرة يهودية تحتفل بإحدى أعيادها، ما يعني ترويجاً آخر للتطبيع في بُعد آخر، وهو ما لاحظته في مكتبة أخرى تبيع روايات تروج للتطبيع.
- صحيح أنه لا مشكلة لدينا مع اليهودية كدين، ولكن من المعلوم أن الأمر لا يتوقف اليوم في الذهنية العامة عند حدّ الدّين، بل يتعداه إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني.
- هل أصيبت لجنة مراجعة الكتب في وزارة الإعلام بالعمى، أم أنها تستعرض عضلاتها فقط على مثل كتاب نهج البلاغة؟ أم أن البعض لا يرى بأساً في تطبيع الشذوذ والتطبيع مع الصهاينة؟ أفهمونا رجاءً.
-بالطبع قامت لجنة التفتيش في الوزارة وبعد انتشار الخبر بحملة على المكتبة ووجدتها فارغة.
- هذه رسالتي إلى البعض الذين يكرّرون أننا لسنا في دولة دينية فلا تُلزِمونا بالموقف الشرعي من مسألة الشذوذ، أقول لهم ما قاله الإمام الحسين (ع): (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دينٌ، وَكُنْتُمْ لا تَخافُونَ الْمَعادَ، فَكُونُوا أَحْرارًا في دُنْياكُمْ هذِهِ، وَارْجِعُوا إِلى أَحْسابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ عُرُبًا كَما تَزْعُمُون).. ارجعوا إلى فطرتكم الإنسانية، ارجعوا إلى عروبتكم، ارجعوا إلى هويّتكم الوطنية، وستجدون عندها أنّ من المخزي أن نخضع للحملة العالمية لترويج الشذوذ تحت ذريعة الحرية الشخصية، أو التمرّد على القيم الدينية، أو النزوع نحو التقدمية، فالشذوذ خطوات للوراء نحو حيونة الإنسان لا نحو أنسنته، فكيف إذا كان هذا الخضوع سيدمّر أطفالَنا الأبرياء على المستوى الفكري والسلوكي؟