علي.. كالضوء من الضوء - الشيخ علي حسن

لم يعرف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام للجبن معنى في شخصيته منذ نعومة أظفاره، ولم يكن له أي موقف طوال حياته المباركة ما يمكن أن يخدش في بطولاته التي لا نظير لها، ولم يسجل عليه أحد تردداً في مواجهة تستوجب الانتصار لدين الله عزوجل بالقوة. ولم يكن ذلك منه استجابة لرغبة ذاتية أو انقياداً لهوى نفس، بل كان وجوده كله لله سبحانه، وجهاده بالسيف والكلمة والموقف مخلصاً لوجهه سبحانه.
ولا غرو، فقد عُرف بنو هاشم عموماً بالشجاعة البالغة، وخلد لهم التاريخ مواقف بطولية يقل نظيرها، فعلي عليه السلام من تلك السلالة العظيمة، وفرع تلك الدوحة الكريمة، وهو سيدها في زمانه بلا منازع.
إشكال وجواب:
ولعل من حق القارئ أن يسأل: إذا كان الفرد قد ورث الخصال الحميدة كالشجاعة من آبائه، فأي مديح وثناء يستحق؟ وقد وجهت السؤال إلى الدكتور سيد حسين الطاهر أستاذ علم النفس بجامعة الكويت وكلية التربية الأساسية والجامعة العربية المفتوحة واستشاري علم النفس والعلاج السلوكي، فأجاب متفضلاً بجواب مفصل، أنقل بعض جوانبه: [من المعلوم أن السمة هي الوحدة المناسبة لوصف الشخصية، وليست السمة صفة مميزة لسلوك الفرد فقط، بل إنها استعداد أو قوة أو دافع داخل الفرد يدفع سلوكه ويوجهه بطريقة معينة، فالشخص الذي يتسم بالشجاعة يكون دائماً على استعداد للتصرف بجرأة وإقدام في جميع الظروف والمواقف، وهو يبحث عن المواقف التي يتصرف بها بشجاعة... إن المدح للشخص الذي يملك صفة الشجاعة لا يكون على ما لديه من استعدادات وخصائص شخصية كامنة، إنما يكون على:
دينامية السمة (الشجاعة)، أي العوامل الدافعة للنشاط
أسلوبية السمة، أي العوامل التي تشير إلى طريقة النشاط
وهذه السمات الدينامية أو الأسلوبية تحتاج من الشخص إلى الضبط والتدريب والممارسة حتى يصبح استعداده للإقدام والجرأة ملكة. فلابد من التغلب على رهبة الموقف من خلال تكرار وضع النفس في المواقف الشدية كي تألفها وتتعود عليها، وإن كانت لديها استعداد الإقدام. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الشجاع من يملك نفسه عند الغضب). فكم من شخص لا يتمكن من ضبط انفعالاته عند مواجهة إعاقة حاجاته الأساسية النفسية والاجتماعية فيقع أسيراً للغضب الذي هو مفتاح الزور ورأس الآثام وداعية الأزمات والأخطار].
شخصية وسلوك وتحكم:
وأضاف الدكتور الطاهر: [وقد يرجع المدح لصفة الشجاعة إلى ما يأتي:
شخصية الفرد 2. سلوك الفرد 3. تحكم الفرد بانفعالاته
والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان أشجع الأنبياء عليهم السلام، ووصيه علي عليه السلام كان أشجع الأوصياء، والمدح في ذلك يرجع إلى قوة الإيمان والخلق الكريم والتقوى والتوكل على الله والتأييد والتسديد].
كلمات الإمام:
وقد تحدث الإمام علي عليه السلام بنفسه عن شجاعته وبطولاته ومواقفه في الشدائد بمضمون يؤكد ما ورد في الجواب السابق.. وحفظ الرواة تلك النصوص، ودونوها في كتبهم، وتناقلوها عبر القرون. ولم يكن ذلك منه تفاخراً أو استعلاءً على الناس، وهو الذي كان قمة في التواضع، وإنما اضطر للخوض فيها دفاعاً عن نفسه وبياناً للحقيقة ودرء للشبهات وكشفاً للزيف ورداً على المعتدين، وسعياً لإحقاق الحق الذي يدور معه حيثما دار كما نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك.
ومن ذلك قوله: (ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم أني لم أرد على الله ولا على رسوله ساعة قط، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال وتتأخر فيها الأقدام ، نجدة أكرمني الله بها. ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن رأسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله صلى الله عليه وآله وسلم والملائكة أعواني فضجت الدار والأفنية، ملأٌ يهبط وملأٌ يعرج، وما فارقت سمعي هينمة منهم يصلون عليه حتى واريناه في ضريحه، فمن ذا أحق به مني حياً وميتاً؟ فانفذوا على بصائركم ولتصدق نياتكم في جهاد عدوكم فوالذي لا إله إلا هو إني لعلى جادة الحق، وانهم لعلى مزلة الباطل، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم).
كالشجرة البرية:
وعنه عليه السلام بعد أن وصف طعامه البسيط: (وكأني بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب، فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران، ومنازلة الشجعان! ألا وإنَّ الشجرة البرية أصلب عوداً، والرواتـع الخضرة أرق جلوداً، والنابتات العذية أقوى وقوداً، وأبطا خموداً! وأنا من رسول الله كالضوء من الضوء، والذراع من العضد. والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها، ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها).
نعمة الله:
وعنه عليه السلام: (أنا قاتل الأقران ومجدّل الشجعان، أنا الذي فقأت عين الشرك، وثللت عرشه. غير ممتن على الله بجهادي ولا مدل إليه بطاعتي، ولكن أحدّث بنعمة ربي).