مؤتمر مستقبل الأمة الإسلامية - مقال للشيخ علي حسن

دعيت في الأسبوع الماضي من قبل أخي العزيز الشيخ حسن التريكي، وهو من المشايخ المنفتحين فكرياً والفاعلين في لندن، للمشاركة في المؤتمر الذي أقامه منتدى الوحدة الإسلامية في لندن، وهو المؤتمر السنوي الرابع وأقيم هذا العام تحت شعار (مستقبل الأمة الإسلامية..الآمال والمعوقات) وذلك في الفترة من 20-18 يونيو، ثم أعقبه مؤتمر آخر للعلاقات الإسلامية المسيحية، وشارك فيهما عدد من النخب العلمائية والفكرية والإعلامية في العالم.وسأخصص هذا العدد من (منتقى الجمان) لبعض جوانب المؤتمر.

الوحدة والسيادة:
ألقى الكلمة الافتتاحية الأستاذ إبراهيم منير، ممثل الاخوان المسلمين في أوروبا، جاء فيها: (وجدت نفسي عاجزاً عن صياغة كلمات تعبر عن مضمون رسالة المؤتمر فعدت الى تراث نستمد منه بعون الله المدد، وهو تراث العلماء المجاهدين الذين نذروا أنفسهم لارشاد أمتنا الى الطريق الصحيح لاسعادها واسعاد البشرية كلها، وعدت الى معلم ومعلّم مازال تراثه يحفز كل ساع الى هذه الرسالة الشريفة.هذا هو العالم المجاهد السيد جمال الدين صفدر الحسيني الأفغاني الذي عاش سائحاً في أرض الإسلام يدعو الى نهضة أمته، ولولا ان لقب الأفغاني التصق به وحظي تراب الأفغان بجسده بعد ان انتقلت روحه الى الرفيق الأعلى لحسبناه مصرياً أو ايرانياً أو حجازياً أو هندياً أو تركياً أو شامياً..لما تركه من آثار وبذور نهضة في كل هذه الأراضي، وحسبنا بعد ان غادر الدنيا أنه ابن لهذه الأمة شيعياً وسنياً..عالماً مجاهداً حجة علينا وعلى الأجيال بعده).وبعد هذه المقدمة استعرض الأستاذ ابراهيم كلمات للسيد جمال الدين الأفغاني كتبها تحت عنوان (الوحدة والسيادة..المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) و(انحطاط المسلمين وسلوكهم).

تطلعات ومعوقات:
وكانت لي كلمة في الجلسة الثانية من اليوم الأول من أعمال المؤتمر تحت عنوان (الوحدة الإسلامية..تطلعات ومعوّقات) انطلقت فيها من قوله تعالى: {كُنتُمْ خيْر أُمّةٍ أُخْرِجتْ لِلنّاسِ تأْمُرُون بِالْمعْرُوفِ وتنْهوْن عنِ الْمُنكرِ وتُؤْمِنُون بِاللّهِ} آل عمران/ 110، وأن قيمة كلّ أمّة بالنسبة الى الأمم الأخرى، هي في المبادئ التي تؤمن بها وفي الدور الكبير الذي تقوم به في حياة النّاس.وتتحقق (الخيرية) على سائر الأمم بعدة أمور من أهمها الالتزام بمنهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.كما ان من أهم المشاريع الحضارية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في واقعنا المعاصر هي معالجة موضوع (التعايش..التقارب..الوحدة) بين المسلمين، معالجةً فكرية حقيقية، تتجاوز اطار المجاملات والمصالح ومؤثرات الظروف الآنية الضاغطة، ثم تأتي الخطوة اللاحقة بتحويل تلك النتائج النظرية الى برامج وفعّاليات وآليّات عمل مدروسة ومبرمجة، ثم مرحلة المتابعة والتقييم والتطوير، يعقبها الخطاب الموجّه للأمة ببيان معطيات ذلك التقييم، ليحدد من خلاله أهم ايجابيات وسلبيات السنة الماضية، وأهم المشاريع للسنة أو السنوات القادمة، بعيداً عن الأسلوب الخطابي والوعظي.

مواطن الخلل في المشروع:
بعد قرابة القرن من العمل في الاتجاه الوحدوي، لم يستطع المشروع ان يحقق معشار أهدافه السامية والملحة، ويعود ذلك الى أسباب عديدة استعرضت منها 14 عنواناً كالتالي: أولاً عدم وضوح طبيعة القضية، وهل هي مسألة تفرضها الظروف، أم مسألة أصيلة في الإسلام، وهل المطلوب هو التعايش أم التقارب أم الوحدة؟ ثانياً اهمال البُعد العملي والتركيز على المجالين العلمي النظري والسياسي. ثالثاً غياب العمل البنائي فكرياً القائم على أساس (انّما الْمُؤْمِنُون اخْوةٌ) الحجرات:10، لا من باب {قالتِ الأعْرابُ آمنّا قُل لّمْ تُؤْمِنُوا ولٰكِن قُولُوا أسْلمْنا ولمّا يدْخُلِ الْايمانُ فِي قُلُوبِكُمْ} الحجرات:14.

رابعاً الاصرار على النخبوية والبعد عن الشعبوية.
خامساً غياب المشاريع التوعوية المركزة والمستمرة.
سادساً تبعية أكثر المشاريع الى الجهات الحكومية الرسمية أو المنطلقات السياسية، مما يجعلها خاضعة لقوانين عالم السياسة حيث لا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم.
سابعاً غياب الأسس والدراسات العلمية والميدانية في المشاريع التي أقيمت في هذا الاتجاه.
ثامناً فقدان المعالجة الفقهية التي تؤصل الوحدة في مقاصد التشريع الإسلامي تاسعاً غياب الدور المباشر والفاعل للعلماء والمفكرين من الطراز الأول الذين يمثلون عند عامة المسلمين الغطاء الشرعي الذي يتطلبه الناس في هكذا مشاريع حاسمة وذات أبعاد تاريخية مليئة بالصراع ومخلفات الماضي.
عاشراً الارث غير الوحدوي الذي يحتاج الى غربلة وفق أسس البحث العلمي والاجتهاد والفتوى عند المذاهب المختلفة، من قبيل حديث (الفرقة الناجية).
حادي عشر التأثير السلبي للبدع كتكفير المسلمين واستباحة دمائهم وأعراضهم والتعرض لرموز ومقدسات الآخرين بالسب والثّلم.
ثاني عشر الجهل بالآخر، وهو يفرض تعارفاً بين المذاهب قبل الحوار بينها.
ثالث عشر معالجات خاطئة أو متسرعة تؤدي أحياناً الى تعقيد القضية، أو بث اليأس في النفوس لفشلها.
رابع عشر خضوع القضية للعاطفة أحياناً مما يجعل التلاقي سريعاً والافتراق والاختلاف لا يقل سرعة عنه.
خاتمة ومقترح: في ختام هذه الورقة دعوت الى تشكيل لجنة تعمل على صياغة ملامح المشروع بوضع مبادئ عامة، ومن ثم عرضها في المؤتمر القادم على السادة الحضور، لتتخذ الاجراءات العملية الكفيلة بالتنفيذ لاحقاً، على ان تشمل خطوات التنفيذ برامج عملية من قبيل: اقامة صلاة الجماعة المشتركة في المجتمعات ذات التعددية المذهبية لاسيما في الجامعات والمعاهد والجوامع المركزية..تدوين فقه الوحدة الإسلامية..تأسيس قناة فضائية خاصة بالوحدة الإسلامية..تأسيس شُعب في الجامعات والمعاهد متخصصة في تخريج طاقات علمية متخصصة في مجال الوحدة الإسلامية فكرياً واعلامياً وتربوياً.