البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع (36) - حسين بركة الشامي


قال أمير المؤمنين عليه السلام: (ثُمّ اخْترْ لِلْحُكْمِ بيْن النّاسِ أفْضل رعِيّتِك فِي نفْسِك، مِمّنْ لا تضِيقُ بِهِ الاُْمُورُ، ولا تُمحِّكُهُ الْخُصُومُ، ولا يتمادى فِي الزّلّةِ، ولا يحْصرُ مِن الْفيْءِ الى الْحقِّ اذا عرفهُ، ولا تُشْرِفُ نفْسُهُ على طمع، ولا يكْتفِي بِأدْنى فهْم دُون أقصاهُ، أوْقفهُمْ فِي الشُّبُهاتِ، وآخذهُمْ بِالْحُججِ، وأقلّهُمْ تبرُّماً بِمُراجعةِ الْخصْمِ، وأصْبرهُمْ على تكشُّفِ الاُْمُورِ، وأصْرمهُمْ عِنْد اتِّضاحِ الْحُكْمِ، مِمّنْ لا يزْدهِيهِ اطْراءٌ، ولا يسْتمِيلُهُ اغْراءٌ، وأُولئِك قلِيلٌ).
نتابع شرح هذه الفقرة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام، ومحورها صفات القاضي: أوْقفهُمْ فِي الشُّبُهاتِ: سميت الشبهة (شبهة) لأنها تشبه الحق في بعض جوانبه، وهي توجب الابهام والالتباس والتشكيك وعدم الوضوح في الأدلة المطروحة أمام المحكمة، وهنا يبرز دور القاضي ووعيه وذكاؤه وورعه، بعدم التسرع في الحكم لأن المسألة تحتاج الى التريث والاحتياط، حتى تعود القضايا والحوادث الى أصل صحيح، لأن المتهم بريء حتى تثبت ادانته.فان براءة ألف مجرم بسبب عدم كفاية الأدلة خيرٌ من تجريم بريء واحد، وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: (ادرؤوا الحدود بالشبهات).وقال كذلك: (ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فان وجدتم للمسلم مخرجاً فخلوا سبيله، فإن الامام لأن يخطئ في العفو خيرٌ من ان يخطئ في العقوبة) فأصبح هذا الحديث الشريف قاعدة شرعية وقانونية يعتمدها الفقهاء ورجال القانون في مجالات عملهم.
وآخذهُمْ بِالْحُججِ: الحجة هي الدليل الذي يحتج به في المنازعات، كالوثائق والمستندات والعهود والوصايا المكتوبة والاقرار من قبل المتهم والشهود العدول وهم البينة الشرعية.فقد جاء في الحديث الشريف: (اقرار العقلاء على أنفسهم حجة، أو جائز) وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (انما أقضي بينكم بالبينات والأيْمان وبعضكم ألحن بحقه من بعض، فأيّما رجل قطعتُ له من مال أخيه شيئاً، فانما قطعتُ له به قطعة من النار).فلا ينبغي للقاضي ان يتجاوز البينات والأيمان أو يتجاهل الوثائق الصحيحة والمستندات في حكمه وقضائه، انما عليه ان يتبع الدليل وأن يميل معه حيثما يميل.والشهود أمام القضاء سواء، فلا تمايز لشخص دون آخر الا بالصفات المشروعة في الشاهد مهما كان موقعه في المجتمع ومنصبه السياسي في الدولة.