لماذا لا يؤتي الشيعة الزكاة؟ - مقال الشيخ علي حسن


من قال إن الشيعة لا يؤتون الزكاة؟ هذا الكلام لا أساس له لاعتبارات كثيرة، واذا كان حديثهم عن الخمس يطغى على حديثهم حول الزكاة فذلك لأمور ستتضح من خلال النقاط التالية.

الاعتقاد بوجوب الزكاة:
أجمع فقهاء الشيعة على ان الزكاة فريضة ومن الأركان التي بني عليها الاسلام، ووجوبها من ضروريات الدِّين، وقد قرنها الله تعالى بالصلاة في أكثر من آية في القرآن الكريم، قال عز اسمه: {وأقِيمُوا الصّلاة وآتُوا الزّكاة وما تُقدِّمُوا لِأنفُسِكُم مِّنْ خيْرٍ تجِدُوهُ عِند اللّهِ ان اللّه بِما تعْملُون بصِيرٌ} البقرة:١١٠.وعن الامام محمد الباقر عليه السلام: (ان الله تبارك وتعالى قرن الزكاة بالصلاة فقال: {أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} فمن أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فكأنه لم يقم الصلاة).

مفهوم الزكاة في القرآن:
عرف المسلمون الزكاة قبل الهجرة، وقد نزلت الآيات القرآنية العديدة في العهد المكي ومنذ بدايات الدعوة تأمر بالاتيان بالزكاة وتحذر من منعها، الا أنه يبدو أنها لم تكن عملية مقننة ضمن تشريعات وأنصبة محددة، حيث تم ذلك لاحقاً في العهد المدني في العام الثاني من الهجرة كما ينص على ذلك علماء المسلمين.وعليه يصح القول ان للزكاة في المصطلح القرآني استعمال عام (لغوي) يعني تطهير المال باخراج شئ منه للفقراء واليتامى وموارد أخرى، واستعمال خاص بزكاة المال (شرعي) والمعبّر عنه بالصدقات.قال تعالى {إنّما الصّدقاتُ لِلْفُقراءِ والْمساكِينِ والْعامِلِين عليْها والْمُؤلّفةِ قُلُوبُهُمْ وفِي الرِّقابِ والْغارِمِين وفِي سبِيلِ اللّهِ وابْنِ السّبِيلِ فرِيضةً مِّن اللّهِ واللّهُ علِيمٌ حكِيمٌ} التوبة:٦٠.ومن هنا نقول ان القرآن بحثِّه على الزكاة قد يقصد المعنى اللغوي، وبالتالي سيشمل كل صور اخراج المال في سبيل الله وجوباً أو استحباباً، من قبيل زكاة المال وزكاة الفطرة والخمس والصدقة المستحبة.

الاهتمام بالزكاة:
وقد اهتم فقهاء المسلمين الشيعة بنصوص الزكاة (بالمعنى الشرعي الخاص) ومسائلها اهتماماً بيّناً، وقد جمع الحر العاملي (ت1062هـ) صاحب وسائل الشيعة 864 حديثاً مروياً عن النبي وآله بخصوص الزكاة، بينما احتوى باب الخمس على 156 حديثاً فقط، أما الشيخ الطوسي (ت460هـ) في كتابه الاقتصاد والذي ألفه لبيان عقائد الشيعة وفقههم بصورة اجمالية، فقد تحدث عن الزكاة في ثمان صفحات، بينما تحدث عن الخمس في صفحة واحدة.كل ذلك وسواه يعكس محورية الزكاة بالمعنى الشرعي الخاص عند الشيعة الامامية على عكس ما يُشاع من اهمالهم للزكاة واهتمامهم بالخمس فقط.فضلاً عن اشتراك المسلمين الشيعة مع سائر المسلمين في اخراج زكاة الفطرة كل عام في صبيحة يوم عيد الفطر.

مشكلة النقدين:
كما هو معروف في فقه المسلمين أن الزكاة فرضت على عدة أشياء من بينها النقود المسكوكة من الذهب والفضة (دنانير ذهبية ودراهم فضية).قال الشيخ الطوسي في الاقتصاد: (اذا ملك الحر العاقل عشرين ديناراً مضروبة منقوشة وحال عليها الحول بكمالها وجب عليه فيها نصف دينار...الخ، وأما الدراهم فاذا ملك مائتي درهم وجب فيها خمسة دراهم...الخ).بينما فرض الخُمس على غنيمة الحرب وغيرها، ويضيف الشيعة الى ذلك أرباح التجارات، وما زاد عن مؤنة السنة، من قبيل الفائض من مدخرات الأرز والطحين والتمر الخ.
وعندما ألغي التعامل بالمسكوكات (النقود) الذهبية والفضية (الدراهم والدنانير) واستعيض عنها بأوراق البنكنوت، اعتبر كثير من الفقهاء ان حكم هذه الأخيرة ليس كحكم المسكوكات الذهبية والفضية، فلا زكاة فيها، فاذا فاض عنها شئ في آخر السنة، وجب اخراج خمسها.
ومن هنا أصبح الخمس طاغياً على زكاة المال في العُرف الشيعي، لاسيما مع انحسار رعي الأنعام الثلاثة (الابل والبقر والغنم) وزراعة الغلات الأربعة (القمح والشعير والتمر والزبيب) في الحياة المدنية المعاصرة، والتي تعتبر الموارد الأخرى التي تجب فيها زكاة المال.علماً بأن من يخمّس فانما يؤدي نوعاً من أنواع الزكاة بالمعنى العام على ما أوضحت مسبقاً.

زكاة البنكنوت والتجارة:
ولابد من التنبيه هنا الى ان بعض الفقهاء يرون احتمال اشتراك أوراق البنكنوت مع المسكوكات الذهبية في الحكم احتمالاً قوياً، وبالتالي لزوم اخراج زكاتها كما كانت تخرج زكاة تلك المسكوكات، ومن هنا احتاط المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله احتياطاً لزومياً باخراج زكاتها، كما احتاط بعدم خصوصية الغلات الأربع بالزكاة بل تشمل سائر المحاصيل الزراعية.كما يرى بعضهم احتمال لزوم اخراج زكاة المال من أموال التجارة أيضاً، ومن هنا احتاط المرجع الديني السيد علي السيستاني احتياطاً لازماً باخراج زكاة مال التجارة أيضاً.