البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع (35) - حسين بركة الشامي


قال أمير المؤمنين عليه السلام: (ثُمّ اخْترْ لِلْحُكْمِ بيْن النّاسِ أفْضل رعِيّتِك فِي نفْسِك، مِمّنْ لا تضِيقُ بِهِ الاُْمُورُ، ولا تُمحِّكُهُ الْخُصُومُ، ولا يتمادى فِي الزّلّةِ، ولا يحْصرُ مِن الْفيْءِ الى الْحقِّ اذا عرفهُ، ولا تُشْرِفُ نفْسُهُ على طمع، ولا يكْتفِي بِأدْنى فهْم دُون أقصاهُ، أوْقفهُمْ فِي الشُّبُهاتِ، وآخذهُمْ بِالْحُججِ، وأقلّهُمْ تبرُّماً بِمُراجعةِ الْخصْمِ، وأصْبرهُمْ على تكشُّفِ الاُْمُورِ، وأصْرمهُمْ عِنْد اتِّضاحِ الْحُكْمِ، مِمّنْ لا يزْدهِيهِ اطْراءٌ، ولا يسْتمِيلُهُ اغْراءٌ، وأُولئِك قلِيلٌ).
نكمل الحديث حول صفات القاضي، قال الامام عليه السلام: (ولا تُمحِّكُهُ الْخُصُومُ) أي لا يثيره المتنازعون بالشكل الذي يستدرج الى مناقشات ومجادلات جانبية، وفي أمور هامشية أو جزئية خارج نطاق الدعوى والقضية المتخاصم عليها، أو يكون لجوجاً مجادلاً مصراً على رأيه الخطأ، إنما عليه ان يكون واعياً لموقعه، واضحاً في تحديد موضوع حكمه، محيطاً بجميع جوانب القضية المتنازع عليها بين يديه.

ولا يتمادى فِي الزّلّةِ

أي لا يتوغل في الإثم، ولا يصر على الخطأ اذا عرف أنه حاد عن جادة الصواب، وهذا الأمر يحتاج الى أصالة في العقيدة وثبات في الموقف وورع في الدين والتزام بالقانون. وان أخطر شيء يقع فيه القاضي أو الوزير أو السياسي المتصدي هو شرعنة الأخطاء والتنظير المجرد لها والتفلسف لقبول الواقع المنحرف، لأنه بذلك يعرض القضاء والحياة المدنية الى الانحراف والانهيار ومن ثم الفوضى في مفاهيم الدين والقانون - لا سمح الله - فمن الشجاعة الإمساك عن الخطأ، والعودة الى نهج الحق اذا اتضحت معالمه وبانت علائمه، ولا يضر حينئٍذ قول القائل وعتب العاتب، فإن الحق أحق ان يُتبع، وان كلّف ذلك بعض التضحية أو الخسران.

ولا تُشْرِفُ نفْسُهُ على طمع

إن موقع القاضي وطبيعة عملة محط إغراءات الناس، فلابد من ان يكون من ذوي النزاهة والعفة والأمانة وصفاء النفس والضمير، كي يعتصم بالتقوى، ويحفظ موقعه واستقلاله، ويؤدي دوره بصدق ونزاهة وإخلاص، وعدم الجور في الحك، أو الخيانة لأمانة ا