المفهوم الإسلامي للمرأة بين إنسانية الدين وتخلف التقاليد

جانب من خطبة ألقاها المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله عام 1424 هـ

يحتفل العالم بيوم المرأة العالمي، فيما المرأة تواجه الكثير من المشاكل على المستوى الإنساني والاجتماعي، لأن مشكلة المرأة لا تختصر في العالم العربي والإسلامي، ولكنها مشكلة تتحرك في أكثر من مكان في العالم، حتى في الدول التي تعدُّ من الدول المتحضرة. هناك مشكلة يثيرها المفكرون في هذا العالم، وهي مشكلة العنف ضد المرأة، وأهمها وأكثرها خطورة العنف الجسدي، فهناك إحصاءات كبيرة نشرت أخيراً تفيد ان هناك نوعاً من العنف الجسدي يصل الى حدِّ القتل للزوجات والبنات والأخوات... ولعلنا نعيش مثل هذا العنف في عالمنا العربي والإسلامي، الذي لا يعتبر المرأة إنساناً حراً مستقلاً، بل انها تعيش على هامش الرجل. ولذلك، فاننا نجد ان الذهنية الغالبة هي ذهنية الرجال حتى في وسط المتدينين منهم. إن هذا العنف يمثل ظاهرة خطيرة في مجتمعاتنا، فالمرأة في كثير من هذه المجتمعات لا تملك ان تحمي نفسها من عنف الرجل، سواء كان زوجاً أو أخاً أو أباً، لأن هناك نوعاً من أنواع النظرة الدونية الى المرأة…
عندما يعيش العالم مسألة العنف ضد المرأة، فهو بذلك يمارس التعدي، لأن التعدّي ظلم من جهتين: التعدّي الأساس هو في عدم الاستجابة لنداء الله، وقد نهى الاسلام عن ذلك: (إيّاك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله). ثانياً، إن الكثير من الدراسات في عالمنا الاسلامي تشير الى ان العالم الإسلامي هو عالم يضطهد المرأة، ونحن لا ننكر بأن هناك حركة في الواقع الإسلامي تحاول الابتعاد عن هذا الخط، ولكن ذلك يحتاج الى جهد كبير، والى ان نكون متحضرين، وليست الحضارة في ان يكون ظاهرنا متحضراً، بل في ان يحترم الإنسان ذهنية وأفكار الإنسان الآخر، وألا يتسلط عليه، لأن الله لم يسلط انساناً على انسان، فالأبوّة أو الأخوة أو الأمومة لا تجعل منك سلطاناً. إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يجعل السلطة بيده، لأننا نحن ملكه ونحن عباده… ثم تبقى المثل الأعلى للمرأة في بداية الدعوة خديجة أم المؤمنين التي كان يعظمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم فاطمة الزهراء عليها السلام التي جاهدت أعظم الجهاد مع أبيها وزوجها من أجل الإسلام، ثم بطلة كربلاء السيدة زينب عليها السلام وكذلك السيدة مريم عليها السلام، كل هذه النماذج من النساء الرساليات اللاتي ارتفعن الى المستوى الأعلى من الرسالة، وعملن للإسلام كله، وكن في موقع الشجاعة والصلابة والتحدي، كيف نميّز بينهنّ وبين الرجال على المستوى العقلي والمستويات كافة؟ لذلك أيها الأحبة، نحن بحاجة الى ان نستهدي هذه المثل العليا، وعلينا ألا نحصر السيدة الزهراء عليها السلام أو السيدة زينب عليها السلام بدموعنا، ولكن علينا أن ننفتح عليهن بوعي الرسالة وبصلابة المسؤولية، ولتكن كل واحدة منكن زينب ولو بنسبة الواحد الى الألف.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالكرام فلاح