ثلاثة أسس منهجيّة في مسألة الوحدة الإسلاميّة - السيد جعفر فضل الله. بتصرف

سأقتصر في هذه المقالة على عدد من النقاط التي أحسبها ضروريّة للانتقال من الناحية النظريّة الى الناحية العمليّة في مسألة الوحدة الإسلاميّة، وفيها جزءٌ من النقد الداخلي للمنهجيّة التي نتعاطى فيها في تفكيرنا الاجتهادي عموماً داخل كلّ مذهب، أو في إدارة اختلافاتنا بين الأفكار المختلفة أو المذاهب المتنوّعة، وهي ثلاث نقاط: --1 المرجعيّة الفكريّة: المسلمون متّفقون على اعتبار القرآن الكريم المرجعيّة العقيديّة والفكريّة والفقهيّة التي يرجعون اليها، ويحتكمون اليها.والقرآن هو المتداول بين أيدي المسلمين، سنّة وشيعة وغيرهم، وليس ثمّة قرآن غير ذلك.ومن الواضح ان القرآن أسّس للوحدة الإسلاميّة عبر عدد لا بأس به من الآيات، كقوله تعالى: (واعْتصِمُواْ بِحبْلِ اللّهِ جمِيعاً ولا تفرّقُواْ)، ولكنّ المشكلة هي في أمرين: الأمر الأوّل: الى أيّ مدى يحضر القرآن الكريم ضمن آليّات تفكيرنا العقيدي والفكري؟ وما الذي يُمكن ان ينتج من مسألة الانسجام بين القرآن والسنّة؟ لأنّ معنى تأصيل الآليّات المتعلّقة بحاكميّة القرآن في العقيدة والمفاهيم يعني ان هناك هامشاً واسعاً لحركة المسلمين على تنوّعهم واختلافهم ينضبط فيه المسلمون متلبّسين في التفكير ضمن حدود هذا المصدر المعصوم الذي لا يناقش أحدٌ في مرجعيّته وأولويّته.
الأمر الثاني: ان معنى كون القرآن يمثل المرجعيّة الفكريّة الحاكمة على كلّ نشاط الفكر الإسلامي، يعني ان من الضروري ان نتجاوز مرحلة العموميّات والشعارات، الى اعتبار القرآن مرجعيّة تفصيليّة، وعلى سبيل المثال لا الحصر سنجد عدم تربية المسلمين أنفسهم وعدم ضبط أدائهم في حدود قوله تعالى: {قُلْ هاتُواْ بُرْهانكُمْ ان كُنتُمْ صادِقِين}، سمح للكثيرين منّا بتجاوز حدود الحجج والبراهين في الاعتقاد والتفكير، حتى تبنّينا أفكاراً قد لا تكون أكثر من مشهورات لا أصل لها، وعندئذٍ نكون من ضمن من ذمّهم الله وأشار اليهم في قوله: {انّا وجدْنا آباءنا على أُمّةٍ وانّا على آثارِهِم مُّقْتدُون}.
-2 الحرّية والاستقلاليّة الفكريّة: لابد لنا بناء على مرجعيّة القرآن أيضاً ان نتساءل: هل يُمكن اليوم ان نتقبّل فكرة اغلاق باب الاجتهاد الفكري والفقهي وحتّى العقيدي؟ ان مدلول اغلاق باب الاجتهاد هو الحُكم المسبق بنهائيّة أي فكرٍ في اطار مرحلة زمنيّة ما، أو في نتاج أشخاصٍ محدّدين، لهم بِنية تفكير وثقافة قد تختلف أو تتطوّر بفعل تطوّر الفكر والثقافة عبر الزمن.مع الالتفات الى أن: أوّلاً: الاجتهاد يؤسّس لتصارع أفكار الأحياء، لا لتصارع الأحياء في اطار أفكار الأموات.
ثانياً: الاجتهاد المعاصر من شأنه ان يستفيد من التحدّيات المعاصرة التي اختبرناها نحن، وأكّدت لنا ان المستهدف هو الجميع، وليس مذهباً بعينه.
ثالثاً: اعادة التأكيد على الثوابت والقيم التي ينبغي ان تحكم تفكير المسلم وحركته، يُمكنها ان تعيد بناء النظرة الإسلاميّة للتاريخ الإسلامي، بما يخفف من الحدّة التي تُصنّف فيها الأحداث نتيجة ازدياد منسوب العصبيّات.
رابعاً: فتح باب الاجتهاد يُمكن ان يتيح الفرصة لنشوء فقه إسلامي غير مذهبي، لأنّ الاتّفاق على أكثر من %80 من الفروع، يُمكن ان يؤسّس لتلاقح فكريّ في الـ %20 بما يُلغي الخصوصيّة المذهبيّة في تبنّي هذه الفكرة أو تلك.
-3 الايجابيّة الفكريّة: فالمؤمن لا يُمكن ان تكون روحه تدميريّة، أو الغائيّة، أو اقصائيّة، أو روحاً انتقائيّة، تنتقي من الأخلاق في حالٍ ما تستبعد في حال أخرى..بل لابد من الروح الرساليّة، التي همّها الحقّ والعدل، وهمّها الهدى، وهذا ما يُمكن ان يؤسّس لروح ايجابيّة يشعر فيها الانسان بأنه غير معنيّ بأسلوب تسجيل النقاط الذي أدمناه في خطابنا المذهبيّ عبر التاريخ الإسلاميّ كله، ويبتعد عن أسلوب السبّ والشتم الذي مثل تنفيساً عن عقدٍ مذهبيّة أثارتها العصبيّات عبر تاريخ المسلمين، وهذا ما يدفعنا أيضاً الى تواضع العلم، وعدم الاستكبار المعرفي الذي يعتبِر معه كلُّ انسان أو كلُّ فريق، مهما علا شأنه، ان ما عنده هو الحقّ كلّه، وما عند الآخرين هو الباطل كله.