البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع (34) - حسين الشامي

قال أمير المؤمنين عليه السلام: (ثُمّ اخْترْ لِلْحُكْمِ بيْن النّاسِ أفْضل رعِيّتِك فِي نفْسِك، مِمّنْ لا تضِيقُ بِهِ الاُْمُورُ، ولا تُمحِّكُهُ الْخُصُومُ، ولا يتمادى فِي الزّلّةِ، ولا يحْصرُ مِن الْفيْءِ الى الْحقِّ اذا عرفهُ، ولا تُشْرِفُ نفْسُهُ على طمع، ولا يكْتفِي بِأدْنى فهْم دُون أقصاهُ، أوْقفهُمْ فِي الشُّبُهاتِ، وآخذهُمْ بِالْحُججِ، وأقلّهُمْ تبرُّماً بِمُراجعةِ الْخصْمِ، وأصْبرهُمْ على تكشُّفِ الاُْمُورِ، وأصْرمهُمْ عِنْد اتِّضاحِ الْحُكْمِ، مِمّنْ لا يزْدهِيهِ اطْراءٌ، ولا يسْتمِيلُهُ اغْراءٌ، وأُولئِك قلِيلٌ).
ذكر الفقهاء ورجال القانون في مدوّناتهم الفقهية والقانونية العديد من الشروط والصفات التي يجب توافرها في شخصية القاضي، والطريقة التي يجب ان يعمل على وفقها في الحكم بين الناس وحل نزاعاتهم وخصوماتهم، ويقع في مقدمة هذه الشروط والصفات: المستوى العلمي، والعدالة، والأمانة، والشجاعة، وسعة الصدر، والاحاطة بالأمور، والموضوعية، والحياد في التعامل مع المتخاصمين، الى غير ذلك مما ذكروه وأكدوا عليه.
غير ان أمير المؤمنين عليه السلام في هذا النص، ونظراً لخطورة موقع القاضي في الحياة الاجتماعية وأهمية دور القضاء في استقرار الأمن واثبات الحقوق بيين الناس، جعل للحاكم شروطاً وصفاتٍ تكميلية أخرى تضاف الى ذكره الفقهاء في مصنفاتهم، وهي أمور وخصائص لا تلمس بالحس، ولا يدركها الا أهل الوعي والمعرفة والبصيرة، وذلك من خلال التجربة الثرة، والخبرة، والممارسة العملية في شخصية القاضي.
وسنستعرض الشروط والصفات التي جاءت في عهد الامام علي عليه السلام مع شرح مبسط لها بشكل متلاحق:
لا تضِيقُ بِهِ الأمُورُ:
أي ان يتحلى برحابة الصدر، والأخلاق الفاضلة، وسعة الأفق، وأن لا يسمح للسأم والضجر ان يأخذ طريقه الى نفسه، فان من طبيعة القضاء وعمل القاضي ان يواجه صنوفاً شتّى من الناس، وألواناً من الطبائع والأخلاقيات، يتطلب في معالجتها رحابة الصدر، وانفتاح القلب على الجميع، وعدم التذمر أو الانزعاج لأدنى سبب....يتبع.